الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٢٣
روى المالكيون حديث القطع في ربع دينار، فقالوا: لا يستباح فرج زوجة بأقل من ربع دينار، قياسا على ما يقطع فيه يد السارق، وذكر ربع الدينار في القطع موجب ألا يكون الصداق أقل منه، ثم قالوا: لا يقطع المستعير لأنه ليس سارقا، وذكر الله تعالى السارق موجب ألا يقطع من ليس سارقا.
ثم قالوا: من سرق شيئا فأكله قبل أن يخرج من حرزه، وإن كان يساوي دنانير، فلا قطع عليه، فخصوا بالقطع بعض السراق دون بعض.
وكذلك فعل الحنفيون سواء بسواء، إلا أنهم قالوا: لا يقطع سارق لحم ولا مصحف ولا فاكهة ولا زرنيخ. وروى محمد بن المغيرة المخزومي عن مالك:
أن الاناء يغسل من ولوغ الخنزير سبعا، قياسا على الحديث الوارد في الكلب، ثم قالوا: لا يغسل من لعاب الكلب ثوب ولا جسد، لأنه إنما ذكر في الحديث الاناء ولم يذكر غيره، ثم روى ابن القاسم عنه أنه قال: لا يهرق الاناء إلا أن يكون فيه ماء وأما غير الماء فلا يضره ولوغ الكلب.
وأما الشافعيون فأتوا إلى آية الظهار فقاسوا على الام والأخت، وقالوا: ذكر الله تعالى الام دليلا على أن الأخت مثلها، ثم قالوا: ذكر الله تعالى المظاهر دليل على أن المرأة إذا ظاهرت من زوجها بخلاف ذلك، ثم قالوا: ومن ظاهر من أمته فلا كفارة عليه، فخصوا بعض النساء المذكورات في الآية بلا دليل، كل ذلك ومثل هذا في أقوالهم كثير، بل هو أكثر أقوالهم، وما سلم منها من التناقض إلا الأقل، وكلها يهدم بعضها بعضا، ويدل هذا دلالة قطع على أن أقوالهم من عند غير الله تعالى، إذا ما كان من عند الله تعالى فلا اختلاف فيه ولا تعارض، وبعضه يصدق بعضا.
فصل من تناقضهم في ذلك أيضا قال أبو محمد: نص الله تعالى على إيجاب الدية والكفارة في قتل المؤمن خطأ، فأوجبها القياسيون قتل المؤمن الذمي خطأ، ولا ذكر له في الآية أصلا، ثم اختلفوا: فطائفة أوجبت الكفارة في قتل العمد قياسا على قتل الخطأ، وطائفة
(٩٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 918 919 920 921 922 923 924 925 926 927 928 ... » »»
الفهرست