الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٢٦
قد عوض من الصيام بالاطعام في كفارة الظهار التي قسنا آنفا رقبتها على رقبة القتل، وقاس بعضهم التيمم على الوضوء، أن لا بد من بلوغ التيمم إلى المرفقين وأبوا أن يقيسوا مسح الرأس في التيمم على مسحه في الوضوء.
وقالوا: الحكم المسكوت عنه بحكم المذكور ههنا، ثم لم يقيسوا قوله تعالى في الرجعة: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * على قوله تعالى في الدين: * (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) * فقالوا: هذا لا نحكم عنه للمسكوت عنه بحكم المذكور، وقالوا هنالك: نحكم للمسكوت عنه بحكم المذكور.
وأما الحنفيون فحكموا في آيتي الشهادة المسكوت عنه بحكم المذكور، فقبلوا النساء في الرجعة والطلاق والنكاح وفي آية التيمم، فأوجبوا إلى المرفقين، ولم يحكموا في رقب الظهار والقتل والكفارة للمسكوت عنه بحكم المذكور، ولا حكموا لغير السائمة بحكم السائمة، ففرقوا ههنا بين المسكوت عنه وبين المذكور، فكل طائفة منهم تحكمت في دين الله بعقولها وتقليدها الفاسد، بلا برهان.
وقد احتج بعضهم علي حيث وافق هواه، بأن البدل حكمه حكم المبدل منه فأعلمته بأن ذلك باطل بلغة العرب التي خوطبنا بها في القرآن والسنة، وبحكم الشريعة، أما اللغة فإن البدل على أربعة أضرب: بدل البعض من الكل، وبدل البيان، وبدل الغلط، وبدل الصفة من الموصوف، فليس في هذه الوجوه بدل يكون حكمه حكم المبدل منه إلا بدل البيان وحده، كقولك: مررت بزيد رجل صالح على أن أحدهما نكرة الآخر معرفة، وأما القرآن فقد أبدل الله تعالى من عتق رقبة الكفارة، صيام ثلاثة أيام، ومن عتق رقبة الظهار صيام شهرين متتابعين، وأبدل من عتق رقبة الكفارة إطعام عشرة مساكين، ومن هؤلاء العشرة صيام ثلاثة أيام، وأبدل من صيام الشهرين إطعام ستين مسكينا، وأبدل تعالى من هدي المتعة صيام عشرة أيام، ومن هدي الأذى صيام ثلاثة أيام فبطل ما ادعوه.
وقالت طائفة منهم في قوله صلى الله عليه وسلم: من مس فرجه فليتوضأ لا ينقض الوضوء إلا من مسة بباطن يده دون ظاهرها، فلم يحكموا في ذلك بكل ما يقع عليه اسم مس.
(٩٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 921 922 923 924 925 926 927 928 929 930 931 ... » »»
الفهرست