الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٢٨
أولى من قياس الذراعين بالجبائر على الرجلين، ولكن القوم ليسوا في شئ، وإنما يقولون ما خرج إلى أفواههم دون تعقب، وقلدهم من تلاهم.
وأتوا إلى قوله تعالى: * (الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) * فتناقضوا فقالوا: هذه الآية موجبة أنه لا يقتل الحر بالعبد وليست موجبة ألا يقتل الذكر بالأنثى، أفيكون أقبح تحكما ممن يقول: إن قوله تعالى: * (الحر بالحر) * موجب ألا يقتل حر بعبد ويقولون: إن قوله تعالى: * (والأنثى بالأنثى) * موجبا ألا تقتل الأنثى بالذكر والذكر بالأنثى؟ وأما نحن فإن قوله صلى الله عليه وسلم:
المؤمنون تتكافأ دماؤهم عموم موجب عندنا قتل الحر بالعبد والعبد بالحر، والذكر بالأنثى والأنثى بالذكر، وكذلك قوله تعالى: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * موجب القصاص بين الحر والعبد، والذكر والأنثى، فيما دون النفس، يقص فيه للحر من العبد، وللعبد من الحر، والإماء والحرائر فيما بينهن، ومع الرجال كذلك ولا قصاص لكافر من مؤمن أصلا، لنصوص أخر ليس هذا مكان ذكرها.
وقال بعضهم: قوله تعالى: * (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس) * يدل على أن الدم الذي يكون مسفوحا ليس حراما.
قال أبو محمد: وهم قد نسوا أنفسهم في هذه الآية، لأنه إذا كان ذكر المسفوح موجبا أن يكون غير المسفوح مباحا، فوجب أن يكون ذكر لحم الخنزير في الآية نفسها موجبا إباحة جلده، وشعره، وهم لا يقولون هذا، فقد تناقضوا، فإن ادعوا إجماعا كذبوا، لان كثيرا من الفقهاء يبيحون بيع جلده، والانتفاع به إذا دبغ والخرز بشعره، فهذا تناقض لم يبعد عنهم فينسوه. وأيضا فإن قوله تعالى في سورة المائدة في آية منها من آخر ما نزل: * (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) * مبين أن كل دم فهو حرام ويدخل في ذلك المسفوح وغير المسفوح وهذا بين وبالله تعالى التوفيق.
(٩٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 923 924 925 926 927 928 929 930 931 932 933 ... » »»
الفهرست