الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٣٩
فصح بهذه الآية أنه لا يمكن أن يكون إجماع أبدا إلا على ما جاء من عند الله تعالى بالوحي الذي لا يعلم ما عند الله تعالى إلا به، والذي قد انقطع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبطل بهذه النصوص يقينا أن يجمعوا على غير نص صحيح.
واحتجوا بقول الله تعالى في آية الكلالة: * (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) * قالوا: فأنتم تقولون: إن الميراث ههنا إنما هو بعد الدين والوصية، قالوا: وليس هذا في الآية فإنما قلتموه قياسا على سائر آيات المواريث التي فيها أنها بعد الوصية والدين.
قال أبو محمد: وهذا خطأ عظيم، ونعوذ بالله تعالى من أن نثبت الميراث في مواريث الاخوة بعد الوصية والدين من طريق القياس، وما أثبتنا ذلك إلا بنص النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان يقدم إلى الجنازة فيسأل صلى الله عليه وسلم: أعليه دين؟ فإن قيل له: لا صلى عليه، وإن قيل له: نعم سأل صلى الله عليه وسلم: أعليه وفاء؟ فإن قيل له: نعم صلى عليه، وإن قالوا: لا قال صلى الله عليه وسلم: صلوا على صاحبكم ولم يصل هو عليه، وبقوله صلى الله عليه وسلم: إن الشهيد يغفر له كل شئ إلا الدين أو كلاما هذا معناه، وقوله صلى الله عليه وسلم: إن صاحبكم مرتهن بدينه وبأمره عليه السلام بالوصية جملة لمن عنده شئ يوصي فيه، وبأمره صلى الله عليه وسلم بالوصية بالثلث فدون.
وقال صلى الله عليه وسلم في الوصية بالثلث والنهي عن الوصية بأكثر: إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة أو كما قال صلى الله عليه وسلم فعم صلى الله عليه وسلم الورثة كلهم، ولم يخص أخا ولا أختا من غيرهما، فصح ضرورة أن لا ميراث لاحد إلا بعد الدين ثم الوصية، فسقط تمويههم بذكر الآية المذكورة.
ثم نعكس عليهم هذا السؤال المذكور بعينه، فنقول لهم: إذا فعلتم أنتم ذلك في آية الكلالة قياسا على سائر المواريث، فيلزمكم أن توجبوا الاطعام في كفارة القتل لمن عجز عن الصيام والرقبة، قياسا على كفارة الظهار، وقياسا على كفارة الواطئ في نهار رمضان، ولا تفرقوا بين الامرين، فقد ذكر الله تعالى في كلتا الآيتين عتق الرقبة ثم الصيام لشهرين متتابعين، ثم ذكر تعالى في أحدهما تعويض الاطعام من الصيام، فافعلوا ذلك في المسكوت عنه من الآية الأخرى، لا سيما وأنتم
(٩٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 934 935 936 937 938 939 940 941 942 943 944 ... » »»
الفهرست