الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٣٦
وقد أجاب أبو بكر بن داود عن هذا السؤال أن قال: إن الذي هو فوق الذرة ذرة وذرة وهكذا ما زاد لأنه زاد على الذرة بعض ذرة، فذاك البعض إذا أضيف إلى أبعاض الذرة جاء من ذلك مقدار الذرة، وأما ما دون مثقال الذرة فحكمه مأخوذ من غير هذا المكان.
قال علي: وهذا جواب صحيح ضروري والذي نعتمد عليه عموما في جميع هذا الباب، فهو الذي قلنا آنفا، وأن المرجوع إليه في كل ما جرى هذا المجرى نصوص أخر، أو إجماع متيقن أو ضرورة المشاهد بالحواس والعقل فقط، فإن لم نجد نصا ولا إجماعا ولا ضرورة اقتصرنا على ما جاء به النص، وقفنا حيث وقف ولا مزيد وإلا فإن ذكره تعالى لما ذكر من هذه المقادير، وهذه الأحوال في هذه الآيات كذكره تعالى أخبار بعض الأنبياء عليهم السلام في مكان، وذكره تعالى لهم في مكان آخر بأكمل مما ذكرهم به في غيرها، ولا يسأل عما يفعل.
وأما قوله عز وجل: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * فإنما علمنا أن ما عدا الاكل حرام بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام وبآيات أخر وأحاديث أخر، فبالحديث المذكور حرم التصرف في أموال الناس بغير ما أمر الله تعالى به بالاكل وغير الاكل، ولو تركنا والآية المذكورة ما حرم بها شئ غير الاكل، ولكان ما عدا الاكل موقوفا على طلب الدليل فيه إما بمنع وإما إباحة من غيرها، ولما وجب أن تحكم فيما عدا الاكل من الآية لا بتحريم ولا بتحليل كما يقولون معنا: إن الله حرم الاكل على الصائم ولم يحل عليه تملك الطعام، ولا ما عدا الاكل من بيه وهبة وغير ذلك فأي فرق بين الاكل المحرم على الصائم، وبين الاكل المحرم على الناس في أموالهم؟ وكما أباحوا هم ونحن الاكل من بيت الأب والام والصديق والأقارب المنصوصين، فهلا أباحوا أخذ ما وجدوا للأقارب ما عدا الاكل قياسا على الاكل المباح أهلا حرموا على الصائم تملك الطعام وبيعه قياسا على ما صح من تحريم الاكل عليه؟ كما زعموا أنهم إنما حرموا تملك الأموال بالظلم والباطل قياسا على تحريم الله تعالى أكلها بالباطل، فإذ لم يفعلوا
(٩٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 931 932 933 934 935 936 937 938 939 940 941 ... » »»
الفهرست