الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩١٥
وهذا وهم يسمعون كلام الرجل أنه لا يملك إلا إزاره فقط، وأنه لا يقدر على حيلة، فيقول له صلى الله عليه وسلم: ولو خاتما من حديد أفيسوغ عن عقل من له مسكة أن يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلف من هذه صفته خاتما بديعا يساوي ربع مثقال؟ وهذا مع ما فيه من الافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم والكذب عليه، فقول مفضوح ظاهر العوار، لأنه لم يكن بلغ عن غلاء الحديد بالمدينة، ومنه مساحيهم ومناحلهم لعمل النخل، ودروعهم للقتال، أن يساوي خاتم منه قريبا من وزنه من الذهب، ولو نطقت بهذا مخدرة غريرة لأضحكت بقولها، وبالله عز وجل نستعين.
قال أبو محمد: وقد اعترض بعض الحنفيين على قوله صلى الله عليه وسلم: لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا فقال: هذا اللفظ لا يوجب قطعا في الربع دينار.
قال أبو محمد: وهذه قحة ظاهرة، ومجاهرة لا يرضاها لنفسه من في وجهه حياء وهو بمنزلة من قال: * (حرمت عليكم الميتة) * أن هذا اللفظ لا يوجب نهيا ولا منعا ومن قال في مثل هذا أن هذا الخطاب لا يوجب القطع في ربع دينار وأن لا صلاة إلا بقراءة أم القرآن ان لا يوجب القراءة ثم قال في الأوامر انها غير لازمة وانها على الندب ثم قال في الألفاظ انها على الخصوص ثم قال في الكلام أنه ليس على ظاهره ثم ترك النص فلم يحكم به ثم أتى إلى أشياء لم تنص فحرمها وأحلها برأيه فما نعلم أحدا ولا الحلاج ولا الغالية من الروافض أشد كيدا للاسلام منه وأما الجاهل فهو معذور وأما من قامت عليه الحجة فتمادى فهو فاسق بلا شك وسيرد فيعلم وما توفيقنا الا بالله.
فإن قال قائل ان هذا مثل قوله عليه السلام لا إيمان لمن لا أمانة له قيل له وبالله تعالى التوفيق هذا على ظاهره ونعم لا إيمان أصلا لمن لا أمانة له ولا يجوز ان نخص بذلك أمانة دون أمانة والاسلام هو الأمانة التي عرضها الله تعالى على السماوات والأرض وقبول الشرائع فمن عدم هذه الأمانة التي هي بعض
(٩١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 910 911 912 913 914 915 916 917 918 919 920 ... » »»
الفهرست