الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٠٤
قيل لهم وبالله تعالى التوفيق: إنما في الآية الامر بقتلهم إلى وقت إعطاء الجزية، ثم ليس فيها إلا المنع من قلتهم بعد إعطائها، ولا إيجاب قتلهم، ولكن لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا يقتل ذا عهد في عهده وقال صلى الله عليه وسلم: لمن كان يبعث من قواده: فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم.
هذا نص كلامه صلى الله عليه وسلم لكل من يبعثه إلى كتابي حربي، حدثناه عبد الله ابن يوسف، عن أحمد بن فتح، عن عبد الوهاب بن عيسى، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن علي، عن مسلم قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن هاشم، قال أبو بكر: ثنا وكيع بن الجراح وقال إسحاق: ثنا يحيى بن آدم، وقال عبد الله، ثنا عبد الرحمن بن مهدي كلهم قالوا: ثنا سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: فلما قال صلى الله عليه وسلم ذلك مبينا أن دماءهم وأموالهم وأذاهم بالظلم، وسبي عيالهم وأطفالهم -، حرام بإعطائهم الجزية، بنص قوله عليه السلام: كف عنهم فالكف يقتضي كل هذا، وكثير ممن يحتج علينا بما ذكرنا قد نسوا أنفسهم، فقالوا في نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الزرع حتى يشتد:
إن ذلك غير مبيح لبيعه بعد اشتداده، ولكن حتى يضفى من تبنه ويداس.
قال أبو محمد: وبيع الزرع عندنا بعد اشتداده مباح، وإن لم يصف ولا ديس، لقوله تعالى: * (وأحل الله البيع) * فلا يخرج من هذه الجملة إلا ما جاء نص أو إجماع بتحريمه، ولهذه الجملة أجزنا بيع منخل بعد أن تزهى، والعنب بعد أن يسود، والثمر بعد أن يبدو فيه الطيب، وليس لان هذه النواهي توجب إباحة البيع بعد حلول الصفات المذكورة فيها.
وكذلك قلنا في قوله تعالى: * (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) *، وإنما حرم الاكل من حين يتبين طلوع الفجر بالامر المتقدم لهذا النسخ، فإن الامر قد كان ورد بتحريم الأكل والشرب والوطئ مذ ينام المرء إلى غروب الشمس من غد، ثم نسخ ذلك وأبيح لنا الوطئ، والأكل والشرب إلى حين يتبين طلوع الفجر الثاني، فبقي ما بعده على الأصل المتقدم في التحريم، وبنصوص وردت في ذكر تحريم كل ذلك بطلوع الفجر الثاني، وبقوله
(٩٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 899 900 901 902 903 904 905 906 907 908 909 ... » »»
الفهرست