الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٠١
الحمام بلا نية يجزي من غسل الجنابة. فأبطلوا احتجاجهم بالحديث المذكور، وأكذبوا قولهم في دليل الخطاب، وأوجبوا جواز أعمال بلا نية حيث أبطلها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأبطلوا صيام الولي عن الولي والحج عن الميت وأداء ديون الله تعالى عنه وقد أوجبها الله تعالى.
واحتجوا أن لا عمل إلا بنية العامل، ولا نية للمعمول عنه في ذلك فاستدركوا على ربهم ما لم يستدركوه على أنفسهم، وهذا غاية الخذلان.
واحتجوا بما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعن يعلى بن منبه رحمة الله عليه إذ سأل عن قصر الصلاة وقد ارتفع الخوف، قالوا: فلما جاء القصر في القرآن في حال الخوف دل ذلك على أن الامر بخلاف الخوف.
قال أبو محمد: وقد غلط في ذلك من أكابر أصحابنا أبو الحسن، عن عبد الله بن أحمد ابن المغلس: فظن مثل ما ذكرنا، وهذا لا حجة لهم فيه، لان الأصل في الصلوات كلها على ظاهر الامر الاتمام، وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدد ركعات كل صلاة، ثم جاء النص بعد ذلك في القصر في حال السفر مع الخوف، فكان ذلك مستثنى من سائر الأحوال، فلما رأى عمر القصر متماديا مع ارتفاع الخوف، أنكر خروج الحال التي لم تستثن في علمه عن حكم النص الوارد في إتمام الصلاة في سائر الأحوال غير الخوف، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن حال السفر فقط مستثناة أيضا من إيجاب الاتمام، وإن لم يكن هنالك خوف، فكان هذا نصا زائدا في استثناء حال السفر مع الامن، فإنما أنكر ذلك من جهل أن هذه الصدقة الواجب قبولها قد نزل بها الشرع، وهو عمر رضي الله عنه، ولسنا ننكر مغيب الواحد من الصحابة أو الأكثر منهم عن نزول حكم قد علمه غيره منهم.
وأما الحديث المروي عن عائشة رضي الله عنها فرضت الصلاة فلا حجة فيه علينا، بل هو حجة لنا، وقد يظن عمر إذا نقلت صلاة الحضر إلى أربع ركعات أن صلاة السفر أيضا منقولة، والغلط غير مرفوع عن أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: وتعلل بعض من غلط في هذا الباب من أصحابنا بأن قالوا: قوله عليه السلام: استنشق اثنتين بالغتين إلا أن تكون صائما في حديث لقيط بن صبرة الأيادي، في ذلك مانع من مبالغة الصائم في الاستنشاق.
(٩٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 896 897 898 899 900 901 902 903 904 905 906 ... » »»
الفهرست