الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٨٩٧
أو ما كان يكفي مرة واحدة؟ كما قال هؤلاء المخطئون: هلا اكتفى بذكر الغنم عن ذكر السائمة؟ وقد بينا أنه لا فائدة لله تعالى في شئ مما خلق ولا في تركه ما ترك، وأن الفائدة لنا في ذلك الاجر العظيم في الايمان بكل ذلك كما قاله تعالى: * (فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون) * وأخبر تعالى أن الكفار قالوا: * (ماذا أراد الله بهذا مثلا) * فنحن نزداد إيمانا بما أوردنا، ولا نسأل ماذا أراد الله بهذا مثلا، فليختاروا لأنفسهم أي السبيلين أحبوا، كما قال علي بن عباس:
أمامك فانظر أي نهجيك تنهج طريقان شتى: مستقيم وأعوج وقد يمكن أن تكون الفائدة في تكرار السائمة والاقتصار عليها في بعض المواضع فائدة زائدة على ما ذكرنا، وهي أننا قد علمنا أن بعض الفرائض أوكد من بعض، مثل الصلاة فإنها أوكد من الصيام. وليس ذلك بمخرج صيام رمضان على أن يكون فرضا، ومثل القتل والشرك فإنهما أوكد في التحريم من لطمة المرء المسلم ظلما، وليس ذلك بمخرج للطمة ظلما من أن تكون حراما، وإنما المعنى فيما ذكرنا من التأكيد أن هذا أعظم أجرا، وهذا أعظم وزرا، وما استواء كل ذلك في الوجوب وفي التحريم فسواء، لا تفاضل في شئ من ذلك. وكل ذلك سواء إن هذا حرام وهذا حرام، وإن هذا واجب وهذا واجب، فيكون على هذا أجر المزكي غير للسائمة أعظم من أجر المزكي غير السائمة، وكل مؤد فرضا ومأجور على ما أدى ويكون إثم مانع زكاة السائمة أعظم من إثم مانع زكاة غير السائمة، وكلاهما مانع فرض، ومحتقب إثم، فلتخصيص السائمة بالذكر في بعض المواضع على هذا فائدة عظيمة، كما أن الزاني بامرأة جاره أو امرأة المجاهد والحريمة أعظم إثما من الزاني بامرأة أجنبية، أو امرأة أجنبي ذمي أو حربي، وكل زان وآت كبيرة وآثم إلا أن الاثم يتفاضل. ومثل هذا قوله تعالى: * (وبالوالدين إحسانا) * وكقوله تعالى:
* (فأما اليتيم فلا تقهر ئ وأما السائل فلا تنهر) * فهل في هذا إباحة قهر غير اليتيم ونهر غير المسكين، أو المنع من الاحسان إلى غير الآباء من ذوي القربى والجيران وسائر المسلمين؟ ولكنه لما كان قهر اليتيم ونهر المسكين وترك الاحسان إلى الوالدين أعظم وزرا وأعظم أجرا، خصوا بالذكر في بعض المواضع، وعموا مع سائر الناس في مواضع أخر، فلعل السائمة مع غير السائمة كذلك، وكذلك
(٨٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 892 893 894 895 896 897 898 899 900 901 902 ... » »»
الفهرست