الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٨٩٢
أبو أسامة، نا عبيد الله بن عمير، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين اعترضه عمر في الصلاة على عبد الله بن أبي: إنما خيرني الله فقال:
* (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) *، وسأزيد على السبعين فأخذ صلى الله عليه وسلم بظاهر اللفظ في التخيير، والأصل المتقدم في إباحة الاستغفار، حتى نهى عن ذلك جملة.
وقال بعضهم: ما عدا الاسم المذكور فبخلاف المذكور إلا أن تقترن إليه دلالة. قال أبو محمد: فنقول له: ما الفرق بينك وبين من عارضك من أهل مذهبك؟ أراد أن ينصر القياس نفسه، كما أردت أنت أن تنصر دليل الخطاب فنسيت نفسك، فقال لك: ما عدا الاسم المذكور فهو داخل في حكم المذكور ما لم تقترن إليه دلالة.
قال أبو محمد: وهكذا يعرض للحمل المائل المرتب على غير اعتدال، وبخلاف القوام إذا أراد صاحبه أن يعدل أحد شقيه مال عليه الآخر، ثم يقال لهم جميعا:
ما هذه الدلالة المقترنة التي يشير كل واحد منكما إليها؟ أهي كهانة منكم، أم هي طبيعية توجب ضرورة، فهم ما ذكر كل واحد منكما على تضادكما؟، أم هي نص واحد فهم لا يدعون كهانة، فلم يبق إلا أن يقولوا هي ضرورة توجب فهم كل ما لم يذكر أو أن يقولوا هو نص يبين حكم ما لم يذكره في هذا النص الآخر، فأي ذلك قالوا فقد وافقونا في قولنا: إنه لا يدل شئ مذكور على شئ لم يذكر، وإن الذي لم يذكر في هذا النص فإنما ننتظر فيه نصا آخر، إلا أن توجب ضرورة ما أن نعرف حكمه كما أوجبت ضرورة الحس في قوله تعالى: * (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) * إننا لا نقدر أن نمشي في الهواء ولا في السماء ولا أن نأكل من غير رزقه.
واحتج بعضهم في قول أبي عبيد في قوله صلى الله عليه وسلم: لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا وأنكر أبو عبيد قول من قال: إن ذلك إنما هي في الشعر الذي هجي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو عبيد:
لو كان ذلك لكان قد أباح القليل من الشعر الذي هجي به رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لا يحل.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، بل هو على خلاف ما ظنوا، وهو أن
(٨٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « 887 888 889 890 891 892 893 894 895 896 897 ... » »»
الفهرست