الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٨٨٩
ونحن نسألهم من كلامهم فنقول لهم: ما الفرق بينكم إذ قالت طائفة منكم: إن ذكر السائمة يدل على أن غير السائمة بخلاف السائمة، وقالت طائفة أخرى، بل ذكر السائمة إلا على أن غير السائمة موافق لحكم السائمة؟ ما الفرق بينكم وبين من عكس عليكم قولكم إن قول الله تعالى: * (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك) *....... إن ذكر القنطار يدل على أن ما عدا القنطار مثل القنطار، فقال: بل ما يدل ذكر القنطار إلا على أن ما عدا القنطار بخلاف القنطار فقد يفزع الخائن من خيانته إذا كانت كثيرة، وقد يحتقر اليسير فلا يخونه، فهلا جعلتم القنطار ههنا حدا للكثير كما جعلت طوائف منكم ذكره صلى الله عليه وسلم المائتي درهم في وجوب الزكاة فيها دليلا على أن العشرين دينارا كثير، فلا يحلف عند المنبر أحد في أقل منها، وأن ما دونها قليل فلا يحلف فيها إلا في مجلس الحاكم؟
وجعلت طوائف أخر منكم ذكره صلى الله عليه وسلم ربع الدينار في قطع السارق دليلا على أن ربع الدينار كثير وأن ما عداه قليل، فلا يستباح فرج بأقل منه، ولا يحلف عند المنبر في أقل منه، وجعلت طوائف أخر ما رووا من ذكره صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم في قطع السارق دليلا على أن العشرة دراهم كثيرة، وإن ما دونها قليل، فلا يستباح فرج بأقل منها، حتى جعلوا ذلك حدا فيما يسقط مما بين قيمة العبد ودية الحر.
قال أبو محمد: ومما ادعوا فيه أنهم فهموا منه أن المسكوت عنه بخلاف حكم المنصوص عليه قوله تعالى: * (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) * قالوا: فهذا يدل على أن غير الحامل بخلاف الحامل.
قال أبو محمد: هذا خطأ، لان المطلقة لا تخلو من أن يكون طلاقها رجعيا أو غير رجعي، فإن كان رجعيا فلها النفقة إذا كانت ممسوسة، كانت حاملا أو كانت غير حامل، باتفاق من جميعنا، وإن كان غير رجعي، فلا نفقة لها بنص السنة سواء كانت حاملا أو غير حامل، وإنما جاء النص المذكور في الطلاق الرجعي وبنص الآيات في قوله تعالى في الآية التي ابتدأ فيها في هذه السورة بتعليم الطلاق. ثم عطف سائر الآيات عليها: * (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) * وهذا لا يكون إلا في رجعي، وأمسك تعالى عن ذكر غير الحامل في
(٨٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « 887 888 889 890 891 892 893 894 895 896 897 ... » »»
الفهرست