الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٨٩٣
الأصل أن رواية الشعر حلال باستنشاد النبي صلى الله عليه وسلم للاشعار وسماعه إياها.
وأما رواية ما هجي به صلى الله عليه وسلم فحرام سماعه وقراءته وكتابته وحفظه بقول الله تعالى: * (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) * وبقوله تعالى آمرا بتعزيره وتوقيره في غير ما آية. فلما جاء النهي عن امتلاء الجوف من الشعر كان ذلك مخرجا لكثير منه من جمله كله المباح، وبقي ما دون الامتلاء مما سوى هجو النبي صلى الله عليه وسلم على الإباحة، وحد الامتلاء هو ألا يكون للانسان علم إلا الشعر فقط، وحد ما دون الامتلاء أن يعلم المرء ما يلزمه ويروي مع ذلك من الشعر ما شاء.
واحتجوا أيضا بقول أبي عبيد فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: لي الواجد يحل عرضه وعقوبته أن ذلك مخرج لغير الواحد عن إحلال العرض والعقوبة.
قال أبو محمد: وليس هذا كما ظنوا، ولكن لما أخبر صلى الله عليه وسلم أن أعراضنا علينا حرام، وأن المسلم أخو المسلم لا يسلمه لا يظلمه. كان كل أحد حرام العرض والعقوبة، فلما جاء النص بتغيير المنكر باليد وكان لي الواجد منكرا لأنه منهي عنه، كان ذلك مدخلا لعقوبته في جملة تغيير المنكر المأمور به، ومخرجا له مما حرم من أعراض الناس جملة وعقوباتهم، هذا الذي لا يفهم ذو لب سواه، ولا ينفقه غيره، واحتجوا بأن الشافعي أحد أئمة أهل اللغة وقد قال:
إن ذكره صلى الله عليه وسلم السائمة دليل على أن ما عدا السائمة بخلاف السائمة.
قال أبو محمد: أما إمامة الشافعي رحمه الله في اللغة والدين فنحن معترفون بذلك، ولكنه رضي الله عنه بشر يخطئ ويصيب، وليت شعري أين كان الشافعي رحمه الله عن هذا الاستدلال، إذ قال جل ذكره في رقبة القتل أن تكون مؤمنة دليل على أن المسكوت عنه من دين الرقبة في الظهار، بمنزلة المنصوص في رقبة القتل أن تكون أيضا مؤمنة؟ وليت شعري أي فرق بين ذكره تعالى الايمان فرقبة القتل وذكره صلى الله عليه وسلم السائمة في حديث أنس. فبقول قائل: رقبة الظهار التي سكت عن ذكر دينها بمنزلة رقبة القتل التي ذكر دينها، وأما غير السائمة من الغنم، وإن كان السوم لم يذكر في حديث ابن عمر، فبخلاف السائمة، وما الفرق بين من عكس الحكم؟ فقال: بل غير السائمة بمنزلة السائمة كما قال المالكيون.
(٨٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 888 889 890 891 892 893 894 895 896 897 898 ... » »»
الفهرست