الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٨٨٨
القضية التي خوطبنا بها موافق لحكم هذه التي خوطبنا بها ولا مخالف.
ومثلوا القسم الأول بقوله تعالى: * (ولا تقل لهما أف) * قالوا: ففهمنا أن غير * (أف) * بمنزلة إف وبآيات كثيرة سنذكرها في باب القياس من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، لان ذلك المكان أمكن بذكرها.
ومثلوا القسم الثاني بأمثلة اضطربوا فيها، فقال الشافعيون والحنفيون: من ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: في سائمة الغنم في كل أربعين شاة شاة قالوا: فدل ذلك على أن ما عدا السائمة لا زكاة فيها وأنها ليست بمنزلة السائمة وأدخل المالكيون هذا الحديث في القسم الأول وقالوا: بل ما دل إلا أن غير السائمة بمنزلة السائمة، وقال الألوان: هذا بمنزلة من قال إذا دخل زيد الدار فأعطه درهما فيعلم أن هذا شرط فيه، وإنه إن دخل أعطى درهما وإن لم يدخل لم يعط شيئا.
ومثل المالكيون هذا القسم الآخر بقوله تعالى: * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) * قالوا: فدل ذكر الركوب والزينة على أن ما عداهما ممنوع كالأكل ونحوه.
قال أبو محمد: فأما هؤلاء المتحيرون الذين ذكرنا آخرا، يعني الذين قالوا:
إن الخطاب قد يدل في مواضع على أن ما عداه بخلافه، ويدل في مواضع أخر على أن ما عداه ليس بخلافه، فإنهم لعبوا في هذا المكان بالخطاب كما يلعب بالمخراق، فمرة حكموا لغير المنصوص بأن المنصوص يدل على أن حكمه كحكمه، ومرة حكموا بأن المنصوص يدل على أن حكمه ليس كحكمه، فليت شعري كيف يمكن أن يكون خطابان يردان بالحكم في اسمين، فيفهم من أحدهم أن غير الذي ذكر مثل الذي ذكر، ويفهم من الآخر أن غير الذي ذكر بخلاف الذي ذكر؟ وهذا ضد ما فهم من الأول، وتالله ما خلق الله تعالى عقلا يقوم فيه هذا إلا عقل من غالط نفسه فتوهم ما لا يصح بدعوى لا يعجز عن مثلها أحد بلا دليل، وكل من لم يبال بما قال يقدر أن يدعي أنه فهم من هذا اللفظ غير ما يعطي ذلك اللفظ.
قال أبو محمد: وأما أكياسهم فإنهم سموا القسم الأول قياسا وسموا الثاني دليل الخطاب، فقد رأوا إذ فرقوا بين معنى واحد باسمين أنهم قد سلموا بذلك من التناقض، وهم من التورط فيه بمنزلة من سمى كل ذلك دليل الخطاب ولا فرق.
(٨٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « 887 888 889 890 891 892 893 894 895 896 897 ... » »»
الفهرست