الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٨٩٥
على الرضيع. وكنا نقول إنه لا يحرم إلا ما كان في الحولين من الرضاع، لان الأصل أن الرضاع لا يحرم شيئا، فلما حرم تعالى نكاح النساء بالرضاع ووجدناه تعالى قد جعل حكم الرضاع الذي أمر به حولين وما زاد عن الحولين فليس مأمورا، به ولكنه مباح، وجب أن يكون الرضاع المحرم هو الرضاع المأمور به لا ما سواه، إلا أن يقوم دليل على ما سواه من نص أو إجماع فيصار إليه. ولكن المصير إلى قول الله تعالى: * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) * وحمل ذلك على عمومه. وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أخبر أن سالما وهو رجل ذو لحية تحرم عليه التي أرضعته لا يجوز مخالفة شئ من ذلك وبالله تعالى التوفيق.
هذا على أن أكثر القائلين بدليل الخطاب المذكور قد جعلوا ما زاد على الحولين، بشهر، وقال بعضهم: بستة أشهر، وقال بعضهم: بسنة كاملة، بمنزلة الحولين، وحرموا بكل ذلك، تناقضا لما أصلوه، وهدما لما أسسوه، وبيانا منهم أن حكمهم بذلك من عند غير الله تعالى.
واحتجوا فقالوا: قد أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، فمحال أن يذكر الله عز وجل أو رسوله صلى الله عليه وسلم لفظة إلا لفائدة، وقد ذكر عليه السلام السائمة، فلو لم يكن لها فائدة لما ذكرها.
قال أبو محمد: وهذا سؤال أهل الالحاد، وهو مع ذلك غث وتمويه شديد، ونحن مقرون أن الله تعالى لم يذكر لفظه إلا لفائدة، وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم ولكنا نخالفهم في ماهية تلك الفائدة، فنحن نقول: إن الفائدة في كل لفظة هي الانقياد لمعناها والحكم بموجبها، والاجر الجزيل في الاقرار بأنها من عند الله عز وجل، وألا نسأل لأي شئ قبل هذا؟ وألا نقول لم لم يقل تعالى كذا؟ وأن لا نتعدى حدود ما أمرنا الله به فنضيف إلى ما ذكر ما لم يذكره، أو نحكم فيما لم يسم من أجل ما سمي بخلاف أو وفاق، وألا تخرج مما أمرنا به شيئا بآرائنا بل نقول: إن هذه كلها أقوال فاسدة واعتراضات كل جاهل زائغ عظيم الجرأة، فلا فائدة أعظم مما أدى إلى الجنة وأنقذ من النار. وأما هم فهم أعرف بالفوائد التي يبطلونها من غير ما ذكرنا.
وقالوا: قد كان يغني ذكر الغنم جملة عن ذكر السائمة.
(٨٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 890 891 892 893 894 895 896 897 898 899 900 ... » »»
الفهرست