الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٠٦
الذي قدمنا آنفا، قيل له: وقد ذكر العشر ونصف العشر في الحديث الذي ذكر آنفا. فإن قال قائل: ما تقولون فخطاب ورد من الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم معلقا بشرط؟ قيل له: ينظر، أتقدمت ذلك الخطاب جملة حاظرة لما أباح ذلك الخطاب، أو مبيحة لما حظر، أم لم يتقدمه جملة بشئ من ذلك، لكن تقدمت جملة تعمه وتعم معه غيره موافقة لما في ذلك النص. ولا بد من أحد هذه الوجوه، لان الجملة التي نص عليها بقوله تعالى: * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * مبيحة عامة لا يشذ عنها إلا ما نص عليه، وفصل بالتحريم، فلا سبيل إلى خروج شئ من النصوص عن هذه الجملة. ولا بد لكل نص ورد من أن يكون مذكورا فيه بعض ما فيها بموافقة أو يكون مستثنى منها بتحريم، فإن وجدنا النص الوارد، وقد تقدمته جملة مخالفة له، استثنيناه منها، وتركنا سائر تلك الجملة على حالها، ولم نحظر إلا ما حظر ذلك النص فقط. ولم نبح إلا ما أباح فقط، ولم نتعده، وإن وجدناه موافقا لجملة تقدمته، أبحنا ما أباح ذلك الخطاب، وأبحنا أيضا ما أباحته الجملة الشاملة له ولغيره معه، أو حظرنا ما حظره لك الخطاب، وحظرنا أيضا ما حظرته الجملة الشاملة له ولغيره معه، ولم نسقط من أجل ذلك الشرط شيئا مما هو مذكور في الجملة الشاملة له ولغيره، وهذا هو مفهوم الكلام في الطبائع في كل لغة من لغات بني آدم - عربهم وعجمهم - ولا يجوز غير ذلك.
وقد ذكرنا في باب الاخبار من كتابنا هذا بيان هذا العمل، ونظرناه بمسائل جمة، ولكن لا بد لنا أيضا ههنا من تشخيص شئ من ذلك ليتم البيان بحول الله وقوته، فليس كل أحد يسهل عليه تمثيل مسائل تقضيها الجملة التي ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق.
وليس قولنا آنفا: تقدمته جملة بمعنى تقدم وقت النزول، فليس لذلك عندنا معنى إلا في النسخ وحده، وإلا فالقرآن والحديث كله عندنا ككلمة واحدة، وكأن نزل معا، لوجوب طاعة جميع ذلك علينا، وإنما نعني بقولنا: تقدمته أي عمت ذلك الخطاب وغيره معه، ولكن لما كنا نجعل تلك الجملة مقدمة يستثنى منها ذلك النص أو نضيفه إليها على معنى البيان لها: سمينا ورودها من أجل ما ذكرنا تقدما.
(٩٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 901 902 903 904 905 906 907 908 909 910 911 ... » »»
الفهرست