الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٠٢
قال أبو محمد: وليس ذلك كما ظنوا، ولكن حديث لقيط فيه إيجاب المبالغة على غير الصائم فرضا لا بد له من ذلك، وفيه استثناء الصائم من إيجاب ذلك عليه، فسقط عن الصائم فرض المبالغة وليس في سقوط الفرض ما وجب المنع منها، فليس في الحديث المذكور منع الصائم منها، لكنه له مباحة لا واجبة ولا محظورة لان الإباحة واسطة بين الحظر والايجاب. فإذا سقط الايجاب لم ينتقل إلى الحظر إلا بنهي وارد، لكن ينتقل إلى أقرب المراتب إليه وهي الإباحة أو الندب، وإذا سقط التحريم ولم ينتقل إلى الوجوب إلا بأمر وارد، لكنه ينتقل إلى أقرب المراتب إليه وهي الإباحة أو الكراهة وقد بينا هذا في باب النسخ من هذا الكتاب.
قال أبو محمد: وقال بعض من غلط في هذا الفصل أيضا من أصحابنا: إن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صفوان بن عسال المرادي ألا ينزع المسافرون الخفاف ثلاثا، إيجاب لنزعها بعد الثلاث، وإيجاب على المقيم نزعها بعد يوم وليلة، فأوجبوا من ذلك أن يصلي الماسح بعد انقضاء الأمدين المذكورين، حتى ينزع خفيه، ولم يوجبوا عليه بعد ذلك أن يجدد غسل رجليه، ولا إعادة وضوئه، وأنكر ذلك أبو بكر بن داود رحمهما الله وأصاب في إنكاره.
قال أبو محمد: وليس في الحديث المذكور إيجاب نزع الخفين ولا المنع من نزعهما وإنما فيه المنع من إحداث مسح زائد فقط، وهو الخيار بعد انقضاء أحد الأمدين بين أن ينزع ويصلي دون تجديد وضوء ولا غسل رجليه، وبين ألا ينزعهما ويصلي بالمسح المتقدم ما لم ينتقض وضوءه، فإذا انتقض وضوءه فقد حرم عليه المسح، وإذا حرم عليه المسح لزمه فرض الوضوء، فلا بد حينئذ من غسل الرجلين، وإذا لم يكن بد من غسل الرجلين فلا سبيل إلى ذلك إلا بإزالة الخفين فحينئذ لزم نزع الخفين، لا قبل أن يحدث.
وبلغنا عن بعض أصحابنا أنه يقول: إن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماء لا ينجسه شئ دليل على أن ما عداه ينجس، فيقال له وبالله تعالى التوفيق: هذا ليس بشئ لوجوه: أولها أنها دعوة مجردة بلا دليل، ويقال: ما الفرق بينك وبين من قال: بل ما هو إلا دليل على أنه مثل الماء في أنه لا ينجس؟ فإن قال: هذا قياس والقياس باطل، قيل له: هل كان القياس باطلا إلا لأنه حكم بغير نص؟
(٩٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 897 898 899 900 901 902 903 904 905 906 907 ... » »»
الفهرست