الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٠٣
فلا بد له من: نعم، فنقول له: وهكذا حكمك لما عدا الماء أنه بخلاف الماء، حكم بغير نص ولا فرق، ومنها أننا نقول به: أرأيت قوله صلى الله عليه وسلم: الطعام بالطعام مثلا بمثل، أفيه منع من بيع ما عدا الطعام مثل بمثل؟ أرأيت قوله عليه السلام: نعم الادام الخل أفيه حكم على أن ما عداه بئس الادام؟ أرأيت قوله عليه السلام: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث أو لم ينجس على أنه أصح من حديث بئر بضاعة - أيصح منه أن ما دون القلتين ينجس؟ ومثل هذا كثير لو تتبع، فلو قال: قد جاء فيما عدا ما ذكر في هذه الأحاديث نصوص صح بها عندنا حكمها، قلنا له: وقد جاء فيما عدا الماء نص على إباحته بقوله تعالى: * (فكلوا مما في الأرض حلالا طيبا) * فلا سبيل إلى تحريم شئ من ذلك إلا بنص وارد فيه، ولا إلى تنجيس شئ منه من أجل نجاسة حلته إلا بنص وارد فيه، ولا فرق، وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: واحتجوا بأن الناس مجمعون على أن من قال لآخر: لا تعط غلامي درهما حتى يعمل شغلا كذا، قالوا: فهذا يقتضي أنه إذا عمله وجب أن يعطي الدرهم. قال أبو محمد: وهذا خطأ، وإن أعطاه المقول له هذا القول الدرهم بعد انقضاء ذلك الشغل، وكان ذلك الدرهم من مال السيد:، فعليه ضمانه إن تلف الدرهم ولم يوجد المدفوع إليه، ودليل ذلك إجماع الناس على أن المقول له ذلك يسأل الآمر فيقول له: إذا عمل ذلك الشغل أعطيه الدرهم أم لا؟ فلو اقتضى هذا الكلام إعطاءه الدرهم بعمل الشغل المذكور ما كان للاستفهام المأمور به معنى، وأيضا فإن الأمة مجمعة على أن الآمر لو قال للمأمور عند استفهامه إياه: لا تعطه إياه حتى أجد لك ما تعمل فيه، أن ذلك حسن في الخطاب ولازم للمأمور، وإنما في الكلام المذكور المنع من إعطاء الدرهم قبل عمل الشغل، وليس فيه بعد عمل الشغل لا إعطاؤه ولا منعه، وذلك موقوف على أمر له حادث إما بمنع وإما بإعطاء.
فإن قالوا: فقول الله تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * أليس إعطاؤهم الجزية مانعا من قتلهم؟.
(٩٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 898 899 900 901 902 903 904 905 906 907 908 ... » »»
الفهرست