الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٨٩٩
بدليل الخطاب. ومن أعجب الأشياء: أن هؤلاء المحتجين بهذا الحديث في تصحيح الحكم بدليل الخطاب أشد الناس نقضا لأصولهم في ذلك، وهدما لما احتجوا به لأنهم قد حكموا بالولاء لغير المعتق على من لم يعتق قط بلا دليل، لا من نص ولا من إجماع لكن تحكما فاسدا، فأوجبت طوائف منهم أن الولاء يجزه العم والجد إذا أعتقا. وأوجبوه ينتقل كانتقال الكرة في اللعب بها، وقد أكذبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: الولاء لحمة كلحمة النسب والنسب لا ينتقل، فوجب ضرورة أن الولاء كالنسب لا ينتقل.
وهم يقولون في العبد ينكح معتقة فتلد له: إن ولاء ولدها لسادتها. قالوا:
أعتق أبوهم يوما ما عاد ولاء والدها إلى معتق أبيهم.
قال أبو محمد: أفيكون أعجب من هذا بينما المرء من بني تميم، لكون أمه مولاة منهم، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حملوه على غير وجهه: مولى القوم منهم.
إذ صار بلا واسطة من الأزد بعتق رجل من الأزد لأبيه؟ أفيكون في خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن ربه تعالى أكثر من هذا؟ أو يكون في إكذابهم أنفسهم أن قالوا، قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الولاء لمن أعتق دليل على أن لا ولاء لمن لم يعتق؟ وهذا الذي جروا ولاءه مرة من اليمانية إلى المضرية، ومرة من الفرس إلى قريش، لم يعتقه أحد ولا ملك قط، ولا حملته أمه إلا وهو حر.
وأوجبوا الولاء لموالي الام على ولدها من حربي، وعلى ولد الملاعنة بلا نص ولا إجماع، فأين احتجاجهم بدليل الخطاب؟ ولكن غرض القوم إقامة الشغب في المسألة التي هم فيها فقط، ولا يبالون أن ينقضوا على أنفسهم ألف مسألة بما يريدون به تأييد هذه، حتى إذا صاروا إلى غيرها لم يبالوا بإبطال ما صححوا به هذه التي انقضى الكلام فيها في نصرهم للتي صاروا إليها، فهم دأبا ينقضون ما أبرموا، ويصححون ما أبطلوا، ويبطلون ما صححوا، فصح أن أقوالهم من عند غير الله عز وجل، لكثرة ما فيها من الاختلاف والتفاسد، وإنما هم قوم توغلوا فانتسبوا في التقليد لأقوال فاسدة يهدم بعضها بعضا، فألفوها ألفة كل ذي دين لدين أبيه، ودين من نشأ معه، فلا يبالون بما قالوا في إرادتهم نصر ما لم ينصره الله تعالى من تلك المذاهب الفاسدة.
(٨٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 894 895 896 897 898 899 900 901 902 903 904 ... » »»
الفهرست