الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٠٠
وقالوا: قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات دليل على أن لا عمل إلا بنية وأن: ما عمل بغير نية باطل.
قال أبو محمد: ليس ذلك كما ظنوا، ولكن لما قال الله تعالى: * (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) * وقال تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * كان قد بطل كل أمر إلا تأدية ما أمرنا به من العبادة بإخلاص القصد بذلك إلى الله تعالى فبهذه الآية بطل أن يجزى عمل بغير نية إلا ما أوجبه نص أو إجماع، فكان مستثنى من هذه الجملة، مثل ما ثبت بالاجماع المنقول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جواز لحاق دعاء الحي للميت بالميت، ومثل لحاق صيام الولي عن الميت بالميت وصدقته عنه، والحج عنه، وتأدية الديون إلى الله تعالى وللناس عنه، وإن لم يأمر هو بذلك ولا نواه، ولحاق الاجر من كل عامل بمن علمه ذلك العمل أو سنه، ولحاق الوزر من كل عامل بمن علمه ذلك العمل أو سنه.
وإنما وجب بالحديث الذي ذكروا أن من عمل شيئا بنية ما فله ما نوى، فإن نوى به الله تعالى وتأدية ما أمر به من كيفية ذلك العمل فله ذلك، وقد أدى ما لزمه، وإن نوى غير ذلك فله أيضا ما نوى، فإن لم ينو شيئا فلا ذكر له في هذا الحديث، لكن حكمه في سائر ما ذكرنا قبل.
والعجب ممن احتج بهذا الحديث من أصحاب القياس وهم أترك الناس له فأما الحنفيون فينبغي لهم التقنع عند ذكر هذا الحديث والاحتجاج به، فإنهم يجيزون تأدية صيام الفرض بلا نية أصلا بل بنية الفطر، وتأدية فرض الوضوء بغير نية الوضوء لكن بنية التبرد.
وقالوا كلهم وأصحاب الشافعي وأصحاب مالك: إن كثيرا من فرائض الحج التي يبطل الحج بتركها تجزي بغير نية.
فأما الحنفيون فقالوا: من أحرم وحج ينوي التطوع أجزأه ذلك عن حج الاسلام. وقال الشافعيون: أعمال الحج كلها، حاشا الاحرام، تجزيه بلا نية أداء الفرض. وقال المالكيون: الوقوف بعرفة يجزي بلا نية، وأن الصيام لآخر يوم من رمضان يجزي بنية كانت قبله بنحو ثلاثين يوما، والصلاة تجزيه بلا نية مقترنة بها وقال بعضهم: غسل الجمعة يجزي من غسل الجنابة. وقال بعضهم: دخول
(٩٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 895 896 897 898 899 900 901 902 903 904 905 ... » »»
الفهرست