الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٨٩١
قال أبو محمد: وهذا خطأ من وجهين: أحدهما أن ذلك دعوى بلا دليل، ولو قطع صلى الله عليه وسلم بذلك لكان حقا، ولكنه لم يقطع على ذلك، وأنه لما يئس من المغفرة لهم بالسبعين رجا بالزيادة، وهذا الحديث من أعظم حجة عليهم في دعواهم التي نسوا أنفسهم فيها فقالوا: إن ما عدا القنطار في قوله تعالى: * (وآتيتم إحداهن قنطارا) *، وما عدا آلاف من قوله تعالى: فلا تقل لهما أف) * بمنزلة القنطار وآلاف فهلا قالوا: إن ما عدا السبعين بمنزلة السبعين، كما قالوا: إن ما عدا القنطار بمنزلة القنطار أو هلا قالوا: إن ما عدا القنطار بخلاف القنطار. كما قالوا: إن ما عدا السبعين بخلاف السبعين، بل قد أكذب الله تعالى قولهم بإنزاله: * (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم) * وبنهيه تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليهم جملة، فبين تعالى بهذه الآية العامة أن ما عدا السبعين بمنزلة السبعين.
ولا يظن جاهل أننا بهذا القول يلزمنا أن ما عدا المنصوص عليه له حكم المنصوص، ومعاذ الله من ذلك، ولو ظننا ذلك كما ظنوا لكنا مخالفين لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رجا أن يكون ما عدا السبعين بخلاف السبعين، فإننا لم نقل إن بذكر السبعين وجب أن يكون ما عدا السبعين موافقا للسبعين ولا مخالفا لها، بل قلنا: ممكن أن يكون ما عدا السبعين موافقا للسبعين في ألا يغفر لهم، وممكن أن يكون بخلاف السبعين في أن يغفر لهم. وإنما ننتظر في ذلك ما يرد في البيان، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فرق، ثم ينزل الله تعالى ما شاء إما بموافقة لما قد ذكر وإما بمخالفة له، وكان الأصل إباحة الاستغفار جملة بقوله عز وجل:
* (وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم) * والصلاة ههنا الدعاء بلا خلاف، والاستغفار دعاء، وهو نوع من أنواع الدعاء، فلما نص على خروج السبعين من جملة الدعاء لهم، كان ما بقي على ظاهر الإباحة المتقدمة، حتى نهى عن الاستغفار لهم جملة، وعن الصلاة عليهم البتة.
وقد جاء نص الحديث هكذا كما قلنا من أخباره صلى الله عليه وسلم أنه مخير في ذلك فأخذ بظاهر اللفظ، حدثناه عبد الله بن يوسف عن أحمد بن فتح، عن عبد الوهاب ابن عيسى، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن علي، عن مسلم، نا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا
(٨٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « 887 888 889 890 891 892 893 894 895 896 897 ... » »»
الفهرست