الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٨٩٠
هذه السورة، فبينت السنة أن التي هي موطوءة وليست حاملا بمنزلة الحامل ولا فرق، ولا يحل لاحد أن يقول: لم سكت عن ذكر غير الحامل ههنا؟ فإن قال ذلك مقدم، قيل له: سكت عن ذلك كما سكت فيها عن ذكر الخلع وعن ذكر المتوفى عنها زوجها وعن الفسخ وغير ذلك.
فإن قالوا: قد ذكر الله تعالى ذلك في آيات أخر قيل: وكذلك أيضا قد ذكر وجوب النفقة لغير الحامل بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ومن أراد أن يجد جميع الأحكام كلها في آية واحدة فهو عديم عقل متعلل في إفساد الشريعة، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
وادعوا أن جماعة من أهل اللغة منهم المبرد وثعلب قالوا بذلك.
قال أبو محمد: أما إدخال هذا الباب في اللغة فتمويه ضعيف وإيهام ساقط، لان اللغة إنما يحتاج فيها إلى أربابها في معرفة الحروف المجموعة التي تقوم منها الكلمات، وأن يخبرونا على ماذا تركبت من المسميات فقط. وأما معرفة هل يدخل في حكم الخبر عن الاسم ما قد أقروا لنا أنه ليس يقع عليه ذلك الاسم أو لا يدخل في حكمه، فليس هذا في قوة علم اللغة ولا من شروطها، إنما يظن هذا من اختلطت عليه العلوم ولم تبلغ قوته أن يفرق بينها. وهذا أمر موجود في طبائع العرب والعجم، وحتى لو صح ذلك عن ثعلب وعن المبرد وعن الأصمعي وخلف معهم - لكان قولهم مع قول جميع أهل اللغة أولهم عن آخرهم بلا خلاف منهم، بل قول أهل كل لغة للناس من عرب وعجم إن اسم حجر لا يفهم منه فرس، وإن اسم جمل لا يفهم منه كلب. وإن من قال: ركبت اليوم سفينة أنه لا يفهم منه أنه ركب أيضا حمارا، أو أنه لم يركبه، وأن من قال أكلت خبزا أنه لا يفهم منه أكل لحما مع الخبز أم لم يأكله؟ ولكان في شهادة العقول كلها باتفاقها على صحة ما ذكرنا كغاية في إبطال قول من قال بخلاف ذلك كائنا من كان ومبين صدق من قال إنما عدا الخبر المخبر به موقوف على دليله.
قال أبو محمد: واعترض بعضهم بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله في الاستغفار لمن مات من المنافقين: لأزيدن على السبعين فقال هذا القائل:
في هذا دليل على أن ما عدا السبعين يغفر لهم به ولا بد.
(٨٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « 887 888 889 890 891 892 893 894 895 896 897 ... » »»
الفهرست