الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٢١
وطعامه متاعا لكم) * أتراه مانعا من أكل الثمار والحبوب وما ليس من صيد البحر ولا طعامه كما قال المالكيون إن قوله تعالى: * (لتركبوها وزينة) * مانع من أكل الخيل إذ لم يذكر الاكل، وإذا عارضوا بهذه الآية الحديث الذي فيه إباحة للخيل فهلا عارضوا بالآية التي ذكرنا إباحة كل ما اختلف فيه فحرموه بها.
ويقال لهم أترون قوله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها مسقطا لقتلهم إن جحدوا نبوة موسى وعيسى عليهما السلام؟.
ويقال لهم: لو كان قولكم حقا إن الشئ إذا علق بصفة ما، دل على أن ما عداه بخلافه، لكان قول القائل: مات زيد كذبا، لأنه كان يوجب على حكمهم أن غير زيد لم يمت، وكذلك زيد كاتب، وكذلك محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان ذلك يوجب ألا يكون غيره رسول الله، ويلزمهم أيضا، إذ قالوا بما ذكرنا، أن يبيحوا قتل الأولاد لغير الاملاق، لان الله تعالى إنما قال:
* (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) * ويلزمهم في قوله تعالى: * (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) * إن ذلك مبيح لان يشترى بها ثمن كثير. فلما تركوا مذهبهم في كل ما ذكرنا، وكان قول القائل: مات زيد وزيد كاتب ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسيلمة كذاب، حقا ولم يكن في ذلك منع من أن غير زيد قد مات، وأن غير زيد كتاب كثير، وأن موسى وعيسى وإبراهيم رسل الله، وأن الأسود العنسي والمغيرة الجلاح وبناتا كذابون، بطل قول هؤلاء القوم إن الخطاب إذا ورد بصفة ما وفي اسم ما أو في زمان ما أن ما عداه بخلاف.
ولا يغلط علينا من سمع كلامنا هذا، فيظن أننا إذ أنكرنا قولهم: إن غير المذكور بخلاف المذكور، إننا نقول: إن غير المذكور موافق للمذكور، بل كلا الامرين عندنا خطأ فاحش، وبدعة عظيمة، وافتراء بغير هدى.
ولكنا نقول: إن الخطاب لا يفهم منه إلا ما قضي لفظه فقط، وأن لكل قضية حكم اسمها فقط، وما عداه فغير محكوم له، لا بوفاقها ولا بخلافها لكنا نطلب دليل ما عداها من نص وارد اسمه، وحكم مسموع فيه، أو من إجماع، ولا بد من أحدهما، وبالله تعالى التوفيق.
(٩٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 916 917 918 919 920 921 922 923 924 925 926 ... » »»
الفهرست