الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٤٥
رجوعها إلى الزوج المطلق ثلاثا، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما جعل الحكم الرافع للتحريم ذوق العسيلة في النكاح الصحيح، فإذا ارتفع بذلك التحريم فقد صارت كسائر النساء، فإذا خلت من ذلك الزوج بفسخ أو وفاة أو طلاق كان لها أن تنكح من شاءت من غير ذوي محارمها، ولم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذوق العسيلة طلاقا من فسخ من وفاة، وأيقنا أنه صلى الله عليه وسلم لم يبحها للزوج الأول، وهي بعد في عصمة الزوج الثاني، ولا خلاف بين أحد في ذلك.
وأما طلاق الذمي وسائر الكفار، فليس طلاقا، لان كل ما فعل الكافر، وقال غير اللفظ بالاسلام، فهو باطل مردود إلا ما أوجب إنفاذه النص أو الاجماع المتيقن المنقول، أو أباحه له النص أو الاجماع، كذلك فإذا لفظ بالطلاق فهو لغو لأنه لا نص ولا إجماع في جواز طلاقه، فليس مطلقا وهو بعد في عصمته، لصحة نكاحهم بالنص من إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للكفار، لما أسلموا مع نسائهم، على نكاحهم معهن، ولأنه صلى الله عليه وسلم من ذلك النكاح خلق، وقد علمنا أنه صلى الله عليه وسلم مخلوق من أصح نكاح، ولا يحل لمسلم أن يمر بباله غير هذا، ولم يمنع تعالى في الآية من إباحة رجعتها بعد وفاة الزوج، أو فسخ نكاحه، وإنما ذكر تعالى الطلاق، فقط، وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجمال لفظه الطلاق وغيره، وقد كان يلزم من قال بذلك الخطاب منهم ألا يبيحها إلا بعد الطلاق لا بعد الفسخ والوفاة، فهذه الآية حجة عليهم لا لهم، وبالله تعالى التوفيق.
واحتجوا أيضا بقوله تعالى: * (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) * قالوا: فقستم الكافرات في ذلك على المؤمنات.
قال أبو محمد: وهذا خطأ، وقد بينا، في باب مفرد من كتابنا هذا، لزوم شريعة الاسلام لكل كافر ومؤمن مستويا بقوله تعالى: * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * فهذا لازم في كل حكم، حاشا ما فرق النص والاجماع المتيقن فيه بين أحكامنا وأحكامهم، وما كان كرامة لنا، فإنه ليس لهم فيه حظ لقول الله تعالى:
* (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * والصغار لا يجتمع مع الكرامة أصلا.
وأيضا فالأمة كلها مجمعة على أن حكم العدة في الطلاق وسقوطها على الذمية
(٩٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 940 941 942 943 944 945 946 947 948 949 950 ... » »»
الفهرست