الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٤٨
على ما أمرنا الله تعالى أن نعتبر به من هدم بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين أما سمعوا قول الله تعالى: * (وإن لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون) *. أفيجوز لذي مسكة عقل أن يقول: إن العبرة ههنا القياس وإن معنى هذه الآية: * (وإن لكم في الانعام) * لقياسا أما يرى كل ذي حس سليم أن هذه الآية مبطلة للقياس لما قص تعالى عليه أنه يخرج من بين فرث حرام ودم لبنا حلالا، وأننا نتخذ من تمر النخيل والأعناب مسكرا حراما خبيثا، ورزقا حلالا، وهما من شئ واحد، فظهر أن تساوي الأشياء لا يوجب تساوي حكمها، وصح أن معنى العبرة التعجب فقط، هذا أمر يدريه النساء والصبيان والجهال، حتى حدث من كابر الحس، وادعى أن الاعتبار القياس مجاهرة بالباطل، تالله ما قدرنا أن عاقلا يرضى لنفسه بهذه الخساسة، وبهذا الكذب في الدين، وبعاجل هذه الفضيحة نعوذ بالله.
والقوم كالفريق يتعلق بما وجد، ولو لم يكن في إبطال القياس إلا هذه الآية لكفى، لان أولها قوله تعالى: * (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الابصار) * فنص الله تعالى كما نسمع على أنه أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم، وأن المؤمنين لم يظنوا قط ذلك، وأن الكفار لم يحتسبوا قط ذلك، فثبت يقينا بالنص في هذه الآية أن أحكام الله عز وجل جارية على خلاف ما يحتسب الناس كلهم، مؤمنهم وكافرهم، والقياس إنما هو يحتسبه القائسون، لا نص فيه ولا إجماع كظن المالكي أن علة الربا الادخار في المأكولات في الجنس، وظن الحنفي أنها الوزن أو الكيل في الجنس، وظن الشافعي أنها الاكل في الجنس، وهذه كلها ظنون واحتسابات، فصح أن أحكام الله تعالى تأتي بخلاف ما يقع في النفوس، فهذه الآية أبين شئ في إبطال القياس والحمد لله رب العالمين.
وقد قوى بعضهم احتجاجهم بما ذكرنا في قوله: * (المؤمنين) * بما روي عن
(٩٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 943 944 945 946 947 948 949 950 951 952 953 ... » »»
الفهرست