الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٤٩
ابن عباس من قوله في دية الأصابع، ألا اعتبرتم ذلك بالأسنان، عقلها سواء وإن اختلفت منافعها.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لان ابن عباس إنما أراد بقوله: هلا اعتبرتم أي هلا تبينتم ذلك بالأصابع فاستبنتم، لان العبارة عن الشئ هو ما يتبين به الشئ، أي هلا تبينتم أن اختلاف المنافع لا يوجب اختلاف الدية، أو هلا فكرتم وعجبتم في الأصابع، ورأيتم أن اختلاف منافعها لا يوجب اختلاف دياتها ولا اختلاف أحكامها، كما أن الأسنان أيضا كذلك، وهذا نص جلي من ابن عباس على إبطال القياس، والعلل الموجبة عند القائلين بالقياس لاستواء الاحكام، لأنهم يقولون: إن الدية إنما هي عوض عن الأعضاء المصابة، فيقيسون فقد السمع على فقد البصر في الدية، لان المنفعة بذلك متساوية فأبطل ابن عباس ذلك ورد إلى نص، ولم يجد الأصابع أصلا للأسنان يقاس عليه، ولا جعل الأسنان أصلا للأصابع يقاس عليه، بل سوى بين كل ذلك تسوية واحدة، وهذا هو ضد القياس، لان القياس عند القائلين به إنما هو رد الفرع إلى الأصل، وليس ههنا أصل وفرع، بل النص ورد أن الأصابع سواء وأن الأسنان سواء ورودا مستويا فبطل تمويههم الذي راموا به تصحيح أن القياس يسمى عبرة.
ولقد ناظرني كبيرهم في مجلس حافل بهذا الخبر فقلت له: إن القياس عند جميع القائلين به، وأنت منهم، إنما هو رد ما اختلف فيه إلى ما أجمع عليه أو رد ما لا نص فيه إلى ما فيه نص، وليس في الأصابع ولا في الأسنان إجماع، بل الخلاف موجود في كليهما، وقد جاء عن عمر المفاضلة بين دية الأصابع وبين دية الأضراس، وجاء عنه وعن غيره التسوية بين كل ذلك، فبطل ههنا رد المختلف فيه إلى المجمع عليه والنص في الأصابع والأسنان سواء، ثم من المحال الممتنع أن يكون عند ابن عباس نص ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في التسوية بين الأصابع وبين الأضراس ثم يفتي هو بذلك قياسا.
فقال لي: وأين النص بذلك عن ابن عباس؟ فذكرت له الخبر الذي حدثناه عبد الله بن ربيع التميمي: ثنا عمر بن عبد الملك الخولاني، ثنا محمد بن بكر، ثنا سليمان ابن الأشعث السجستاني، ثنا عباس بن عبد العظيم العنبري، ثنا عبد الصمد بن
(٩٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 944 945 946 947 948 949 950 951 952 953 954 ... » »»
الفهرست