الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٥٤
أول مرة، وهذا كفر مجرد، لا يقول به إلا أصحاب التناسخ، فقبح الله كل احتجاج يفر صاحبه من الانقطاع والاذعان للحق إلى ما يؤدي إلى الكفر، فبطل تمويههم بهذه الآية، وصح أن معناها هو اقتضاء ظاهرها فقط، وهو أن القادر على خلق الأشياء ابتداء قادر على إحياء الموتى. وقد بين الله تعالى نصا إذ يقول: * (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شئ قدير) * فبين عز وجل أنه إنما بين ذلك قدرته على كل شئ.
وإنما عارض الله تعالى بهذا قوما شاهدوا إنشاء الله تعالى للعظام من مني الرجل والمرأة أقروا بذلك وأنكروا قدرته تعالى على إنشائها ثانية وإحيائها، فأراهم الله تعالى فساد تقسيمهم لقدرته كما قال في أخرى: * (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شئ قدير) * فهذه كتلك، وليس في شئ منها أن نحكم لما لا نص فيه بالحكم بما فيه نص من تحريم أو إيجاب أو إباحة أصلا وأن هذا كله باب واحد، ليس بعضه مقيسا على بعض، ولا أصلا والآخر فرعا، وإقدام أصحاب القياس وجرأتهم متناسبة في مذاهبهم وفيما يؤيدونها، نعوذ بالله من الخذلان.
واحتجوا أيضا بقول الله تعالى: * (حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون) * وبقوله تعالى: * (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ان الذي أحياها لمحيي الموتى) * وبقوله تعالى: * (فأحيينا به بلدة ميتا كذلك النشور) * وبقوله تعالى: * (وأنزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد) * إلى قوله: * (كذلك الخروج) * وبقوله تعالى: * (فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة) *.
قال أبو محمد: وهذا كله من جنس ما ذكرناه آنفا والمحتج بهذه الآيات في إثبات القياس في الاحكام، إما جاهل أعمى لا يدري ما القياس، وإما مموه لا يبالي ما قال: ولا ما أطلق به لسانه في استدامة حاله، ولو كان هذا قياسا لوجب أن يحيي الله الموتى كل سنة في أول الربيع، ثم يموتون في أول الشتاء كما تفعل الثمار
(٩٥٤)
مفاتيح البحث: الموت (6)، الجهل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 949 950 951 952 953 954 955 956 957 958 959 ... » »»
الفهرست