الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٥٣
وأما الحقيقة فإن هاتين الآيتين تبطلان القياس إبطالا صحيحا، لان الله تعالى مثل الحور العين بالياقوت والمرجان، ومثل أعمال الكفار بزرع أصابته ريح فيها صر. ولم يكن تشبيه الحور بالياقوت والمرجان يوجب للياقوت والمرجان الحكم أحكام الحور العين، ولا للحور العين الحكم بأحكام الياقوت والمرجان، ولا كان شبه عمل الكفار بالزرع الذاهب يوجب للزرع الحكم بأحكام أعمال الكفار، من اللعين والبراءة والوعيد، ولا لأعمال الكفار بأحكام الزرع من الانتفاع بتبنه في علف الدواب وغير ذلك.
فصح أن تشابه الأشياء لا يوجب لها التساوي في أحكام الديانة، ولا شئ أقوى شبها من شيئين شبه الله عز وجل بعضها ببعض، فإذا كان الشبه الذي أخبرنا الله تعالى به لا يوجب لذينك المتشابهين حكما واحدا فيما لم ينص فيه، فبالضرورة تعلم أن الشبه المكذوب المفترى من دعاوى أصحاب القياس أبعد عن أن يوجب لما شبهوا بينهما حكما واحدا، وبالله تعالى التوفيق.
واحتجوا بقول الله تعالى: * (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ئ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ئ الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ئ أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم) *.
قال أبو محمد: وهذا من عجائبهم وطوامهم، ليت شعري ما في هذه مما يوجب القياس أو أن يحكم في ألا يكون الصدق أقل مما يقطع فيه اليد، وأن يرجم اللوطي كما يرجم الزاني المحصن؟ ولكاد احتجاجهم بهذه الآية أن يخرجهم إلى الكفر، لأنه تعالى لم يوجب أنه يعيد العظام من أجل أنه أنشأها أول مرة، ولا أخبر تعالى أن إنشاءه لها أول مرة يوجب أن يعيدها، ومن ظن هذا فقد افترى.
ومع ذلك فلو كان إنشاء الله تعالى للعظام، أولا يوجب أن يحييها ثانية، لوجب ضرورة إذا أفناها أيضا بعد أن أنشأها أولا أن يفنيها ثانية بعد أن أنشأها ثانية، وهذا ما لا يقولونه، ولا يقول به أحد من المسلمين إلا جهم بن صفوان وحده.
ولو كان ذلك أيضا لوجب أن يعيدهم إلى الدنيا ثانية كما ابتدأهم ونشأهم فيها
(٩٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 948 949 950 951 952 953 954 955 956 957 958 ... » »»
الفهرست