الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٦٤
قال أبو محمد: وهذا خطأ وقول فاسد، لان الله تعالى لم ينص على أن يبدأ في ذلك من مكان من اليدين بعينه، وإنما جعل عز وجل المرافق نهاية موضع الغسل لا نهاية عمل الغسل، فكيف ما غسل الغاسل ما بين أطراف الأنامل إلى نهاية المرافق فقد فعل ما أمر به في النص ولا مزيد.
واحتج بعضهم بقول الله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * قالوا: وإنما قال ذلك تعالى في الطلاق والرجعة، يعني اشتراط العدالة، واشترط تعالى الرضا في الرجل والمرأتين في الديون فقط، فكان ذلك في سائر الأحكام قياسا على الطلاق والرجعة.
قال أبو محمد: وهذا الاحتجاج من غريب نوادرهم فأول ذلك أن المحتج بهذا إن كان مالكيا فقد نسي نفسه في إباحتهم شهادة الطبيب الفاسق، وفي شهادة الصبيان في الدماء والجراحات خاصة، وهم غير موصوفين بعدالة، ولم يقس على ذلك الصبايا ولا تحريق الثياب. وإن كان حنفيا فقد نسي نفسه في قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض، ونقضهم كلهم هذا الأصل في رد شهادة العبيد العدول والأقارب العدول، وأما نحن فلم نأخذ قبول شهادة العدول فيما عدا الطلاق والرجعة والديون قياسا على ذلك، ونعوذ بالله من هذا، وإنما لزم قبول العدول في كل موضع حاشا ما استثناه النص من قبول شهادة الكفار في الوصية في السفر فقط، فمن قول الله تعالى: * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) * فنهانا الله تعالى عن قبول الفاسق، ليس في البالغين العقلاء، إلا فاسق أو عدل، فوجب علينا التبين في كل شاهد، وكل مخبر حتى نعلم أفاسق هو فلا نعمل بخبره ولا بشهادته إذا أنبأنا بها، أو نعلم أهو عدل؟ فنعمل بخبره وشهادته فبطل ظن هذا الجاهل.
وأما قبول عدلين في سائر الأحكام، فقد كان يلزم هذا الجاهل، إن التزم القياس، أن يقيس جميع الشهادات في السرقة والقذف والخمر والقصاص والقتل على الشهادة في الزنى فلا يقبل في شئ مما ذكرنا إلا أربعة شهداء لا أقل، لان الحدود بالحدود أشبه من الحدود بالطلاق والرجعة والديون، والزنى حد، وكل ما ذكرناه في السرقة والقذف والخمر حد.
(٩٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 959 960 961 962 963 964 965 966 967 968 969 ... » »»
الفهرست