الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٦٦
ذلك في القياس لوجب إذا جاء النص بالامر أن يفهم منه النهي، أو بالنهي أن يفهم منه ضده، وهذا عكس الحقائق، وبالجملة فهذا شغب فاسد ضعيف، لان الحكم بالقياس عندهم إنما هو أن يحكم المسكوت عنه بحكم المنصوص عليه، وهذا هو غير العمل في الرؤيا جملة، ومن شبه دينه بالرؤيا، وفيها الأضغاث وما تتحدث به النفس، فقد كفى خصمه مؤنته، وبالله تعالى التوفيق.
وذكروا أيضا قول الله تعالى: * (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا) * وقوله تعالى: * (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) *.
قال أبو محمد: صدق الله تعالى وكذب أصحاب القياس، وما أنكر ضرب الله تعالى الأمثال إلا كافر، بل قد ضرب الله عز وجل الأمثال في إدبار الدنيا بالزرع، وفي أعمال الكفار بسراب بقيعة، وفي الظالمين بالأمم السالفين فهذا لا يعقله فيغبط به إلا العالمون.
ولعمري إن من صرف هذا الأمثال عما وضعها الله تعالى له، إلى تحريم القديد بالقديد، إلا مثل بمثل، أو البتة وإلى أن على المرأة الموطوءة في نهار رمضان عتق رقبة، وإلى أن الصداق لا يكون إلا عشرة دراهم أو ربع دينار، وإلى أن من لاط حد حد الزنى، لجرئ على القول على الله تعالى بغير علم.
وليت شعري لو ادعى خصمهم عليهم واستحل ما يستحلونه، فادعى في هذه الآيات أنها تقتضي ضد مذاهبهم فيما ذكرنا، أكان بينه وبينهم فرق؟
ونعوذ بالله من الخذلان.
وكما نقول: إن الله تعالى ضرب لنا الأمثال، وإن أمثاله المضروبة كلها حق، لأنه تعالى قال ذلك فيها. فكذلك نقول: لا يحل لنا ضرب الأمثال لله تعالى، لأنه قال تعالى: * (فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون) * والقياس ضرب أمثال الله تعالى بيقين منا ومنهم، فهو حرام وباطل، لنهي الله تعالى عنا نصا، وبالله تعالى التوفيق.
فهذا كل ما شغبوا به من القرآن، ووضعوه في غير مواضعه، وقد أوردناه وبينا ذلك لكل ذي حس سليم أنه لا حجة لهم في شئ منه، وأن أكثره مانع من القول
(٩٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 961 962 963 964 965 966 967 968 969 970 971 ... » »»
الفهرست