الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٦٥
وكان يلزمه أيضا أن يقيس على الديون فيقبل في سائر الأشياء رجلا وامرأتين كما جاء النص في الأموال، وإلا فلأي معنى وجب أن يقاس على الرجعة والطلاق دون أن يقاس على الديون؟ فإن ادعى الاجماع، قيل له: كذبت وجهلت فالحسن البصري لا يقبل في القتل إلا أربعة شهداء عدول، وهذا عمر بن الخطاب وعطاء بن ابن أبي رباح يقبلان في الطلاق النساء دون الرجال، وعطاء يقبل في الزنى ثماني النسوة، وأبو حنيفة يقبل في الطلاق والرجعة والنكاح رجلا وامرأتين، ولا يقبل ذلك في الحدود، وقول الحسن أدخل في القياس، لان القتل أشبه بالزنى الذي يكون فيه القتل في الاحصان، فهو قتل وقتل، فالقتل بالقتل أشبه من القتل بالطلاق.
وقول عمر وعطاء أشبه بالقياس، لأنهما جعلا مكان كل رجل امرأتين، وجلد الزنا جلد، وجلد القذف والخمر جلد، فالجلد بالجلد أشبه من الجلد بالرجعة في النكاح. وهذا ما لا يحل يخيل على من له أدنى حس سليم، لا سيما المالكيين الذين يقولون بقياس القتل على الزنى: أنه إن عبر عن القاتل أن يجلد مائة سوط ويغرب سنة، قياسا على الزاني غير المحصن، فهلا قلدوه عليه فيما يقبل عليه من عدد الشهود ولكن هكذا يكون من سلك السبل فتفرقت به عن سبيل الله تعالى.
والعجب أن مالكا أجاز في القتل شاهدا واحدا وأيمان الأولياء، وهذا قياس على الشاهد واليمين في الأموال، فلا أجاز ذلك في الطلاق والنكاح والعتق وغير ذلك وأي فرق بين هذه الوجوه نعوذ بالله من التخليط والآراء والمقاييس الفاسدة في دين الله تعالى.
واحتج بعضهم في ذلك بالآية الواردة في تعبير الرؤيا، وهذا تخليط ما شئت والرؤيا قتل كل كلام لا يقطع بصحتها، وقد تكون أضغاثا، والحكم في الدين استباحة للدماء، والفروج، والأموال وإيجاب العبادات، وإسقاط لكل ذلك، ولا يجوز الحكم في شئ من ذلك برؤيا أحد دون رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كانت هذه الرؤيا التي جعلها هذا المحتج أصلا لتصحيح القياس لا يجوز القطع بها في دين الله تعالى. فالقياس الذي هو فرعها أبعد من ذلك على قضيته الفاسدة التي رضيها لنفسه، وأيضا فإن كثيرا من الرؤيا يفسر فيها الشئ بضده؟ فيحمد القيد والسواد، ويذم العرس، وليس هذا من القياس في ورود ولا صدر، ولو كان
(٩٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 960 961 962 963 964 965 966 967 968 969 970 ... » »»
الفهرست