الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٧١
ثم نقول وبالله تعالى التوفيق: إنه ليس في هذا الحديث قياس أصلا، ولا دلالة على القياس، ولكنه نص من الله تعالى أخبر في آية المواريث فقال: * (بعد وصية يوصى بها أو دين) * فعم الله عز وجل الديون كلها. وبضرورة العقل علمنا أن ما أوجبه الله علينا في أموالنا فإنه يقع عليه اسم دين بلا شك، ثم بالنصوص علمنا، وبضرورة العقل. أن أمر الله أولى بالانقياد له، وأحق بالتنفيذ، وأوجب علينا من أمر الناس. وكان السائل والسائلة للنبي صلى الله عليه وسلم مكتفين بهذا النص لو حضرهما ذكره، فأعلمها للنبي صلى الله عليه وسلم بأن كل ذلك دين، وزادهم علما بأن دين الله تعالى أحق بالقضاء من ديون الناس، وهذا نص جلي فأين للقياس ههنا أثر أو طريق لو أن هؤلاء القوم أنصفوا أنفسهم ونظروا لها؟.
ولكن ما في المصائب أشنع من قول من قال: إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصام عن الميت ويحج عنه، وأخبر أنه دين الله تعالى وهو أحق بالقضاء من سائر ديون الناس، فترك ذلك واجب، فلا يجوز أن يصام عن ميت، ولا يستعمل هذا الحديث فيما جاء فيه، لكن منه استدللنا على أن بيع العسل في قيره بعسل في قيره لا يجوز، أو أن بيع رطل لحم تيس برطلي لحم أرنب لا يجوز، أو أن رطل قطن برطلي قطن لا يجوز تبارك الله ما أقبح هذا وأشنعه لمن نظر بعين الحقيقة ونعوذ بالله من الخذلان.
واحتجوا بما روى الحديث المشهور: أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا رسول الله، إن امرأتي ولدت ولدا أسود، وهو يعرض لنفيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر. قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنى ترى ذلك أتاه؟ - أو كلاما هذا معناه - فقال له الرجل: لعل عرقا نزعه، فقال عليه السلام: لعل هذا عرقا نزعه قالوا: وهذا قياس وتعليم للقياس.
قال أبو محمد: وهذا من أقوى الحجج عليهم في إبطال القياس، وذلك لان الرجل جعل خلاف ولده في شبه اللون علة لنفيه عن نفسه، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم الشبه، وأخبره أن الإبل الورق قد تلدها الإبل الحمر، فأبطل صلى الله عليه وسلم أن تتساوى المتشابهات في الحكم، ومن المحال الممتنع أن يكون
(٩٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 966 967 968 969 970 971 972 973 974 975 976 ... » »»
الفهرست