الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٧٤
فإن هذا الحديث لا يقول به المالكيون والشافعيون، لأنهم لا يرون تأخير القضاء في الصلاة الفائتة إلى ارتفاع الشمس والمالكيون لا يرون أن يؤذن للصلاة الفائتة، ولا يصلي ركعتا الظهر قبل صلاة الصبح إذا فاتت، ولا أقبح من قول من يحتج بخبر ثم هو أول مخالف لنصه وحكمه.
والقول الصحيح هو أن هذا الخبر حجة في إبطال القياس، لأنهم رضي الله عنهم أرادوا أن يصلوا مكان صلاة صلاتين، وقد نهاهم الله تعالى عن تعدي حدوده ومن تعدي الحدود أن يزيد أحد شرعا لم يأمر الله تعالى به، والربا في لغة العرب الزيادة، فصح بهذا الخبر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى عن الزيادة على ما أمر به فقط. وبيقين يدري كل ذي حس أن القول بالقياس زيادة في الشرع على ما أمر الله تعالى به، فلما حرم الله تعالى الأصناف الستة متفاضلة في ذاتها، زادوا هم ذلك في المأكولات أو المكيلات أو الموزونات أو المدخرات، فزيادتهم هذه هي الربا حقا، والله تعالى قد نهى عنه، فهذا الخبر حجة، لو صح، في إبطال القياس، وإلا فلا نسبة بين الصلاة والبيع، وبالله تعالى التوفيق.
وأيضا فإن هذا الخبر نص جلي، لا مدخل للقياس فيه أصلا، ولا بينه وبين شئ من القياس نسبة، لأنه اسم الربا يجمع الزيادة في الدين، والزيادة في الصلاة بنص هذا الخبر، فتحريم الربا مقتضى لتحريم الامرين وكل ما جاء به النص فصحيح، وكل ما أرادوا هم أن يريده مما ليس منصوصا عليه فهو باطل، فظهر أن من احتج بهذا الخبر فمموه بما ليس مما يريد في شئ، بل هو حجة عليه، والحمد لله رب العالمين.
ثم لو صح لهم نصوصا من القرآن والسنن ووردت باسم القياس وحكمه، وهذا لا يوجد أبدا، لما كان لهم في شئ من ذلك حجة، لأنه كان يكون الحكم حينئذ أن ما قاله الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو الحق، وإنما ما يقولونه هم، مما لم يقله الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فهو الباطل الذي لا يحل القول به. وفي هذا كفاية لمن عقل.
وقد أوجب الله تعالى وحرم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفي كتابه، ولم يحل لاحد أن يحرم ولا أن يوجب ولا أن يحل ما لم يحله الله تعالى ولا أوجبه ولا
(٩٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 969 970 971 972 973 974 975 976 977 978 979 ... » »»
الفهرست