الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٧٢
من له مسكة عقل يقيس ولادات الناس على ولادات الإبل، والقياس عندهم إنما هو رد فرع إلى أصله، وتشبيه ما لم ينص بمنصوص، وبالضرورة نعلم أنه ليس الإبل أولى الولادة من الناس ولا الناس أولى من الإبل، وأن كلا النوعين في الايلاء والالقاح سواء، فأين ههنا مجال للقياس وهل من قال: إن توالد الناس مقيس على توالد الإبل، إلا بمنزلة من قال: إن صلاة المغرب إنما وجبت فرضا لأنها قيست على صلاة الظهر؟ وإن الزكاة إنما وجبت قياسا على الصلاة؟. وهذه حماقة لا تأتي بها عضاريط أصحاب القياس، لا يرضون بها لأنفسهم، فكيف أن يضاف هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي آتاه الله الحكمة والعلم دون معلم من الناس، وجعل كلامه على لسانه ما أخوفنا أن يكون هذا استخفافا بقدر النبوة وكذبا عليه صلى الله عليه وسلم.
ولقد كنا نعجب من إقدام أصحاب القياس في نسبتهم إلى عمر وعلي وعبد الرحمن رضي الله عنهم قياس حد الشارب على حد القاذف، ونقول إن هذا استنقاص للصحابة، إذ ينسب مثل هذا الكلام السخيف إليهم. حتى أتونا بالثالثة الأثافي والتي لا شوى لها فنسبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قاس ولادة الناس على ولادة الإبل فأذكرنا هذا الفعل منهم قول بشر بن أبي حازم الأسدي.
غضبت تميم أن تقتل عامر * يوم النسار فأعقبوا بالصيلم هذا مع أن بعضهم لا يأخذ بهذا الحديث فيما ورد فيه ويروى في التعريض الحد وهو يسمع فيه أن الأعرابي كان يعرض بنفي ولده، فلم يزده النبي صلى الله عليه وسلم على أن أراد بطلان ظنه، ووجوب الحكم بظاهر المولد والفراش، ولم ير عليه حدا، أفيكون أعجب ممن يترك الحديث فيما ورد فيه، ويطلب فيه ما لا يجده أبدا، ومن أن القاتل إذا عفي عنه ضرب مائة سوط ونفي سنة، قياسا على الزاني، إن هذا العجب ونسأل الله العصمة والتوفيق.
واحتجوا أيضا بقول النبي صلى الله عليه وسلم إذ سئل عن الإبل تكون في
(٩٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 967 968 969 970 971 972 973 974 975 976 977 ... » »»
الفهرست