الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٥٦
به، وشبه تلف جثث أولئك العصاة بالعدل، وذلك لا يوجب استواءهما في شئ من الحكم في الشريعة غير الذي نص الله تعالى عليه من البلى بعد الجدة فقط، فبطل ظنهم الفاسد، والحمد لله رب العالمين.
وكذلك أيضا قوله تعالى: * (مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ) *.
قال أبو محمد: وذلك الزرع يرعى، وليس متعبدا ولا جزاء عليه، في الآخر والقوم الذين شبهوا به ولا شك أنهم خلاف ذلك، وأنهم متعبدون مجازون بالجزاء التام في الآخرة.
وأن العجب ليكثر من عظيم تمويههم في الدين، وتدليسهم فيه باحتجاجهم بهذه الآيات في القياس وما عقل قط ذو مسكة عقل أنه يجب في هذه الآيات تحريم بيع التبن بالتبن متفاضلا، إذا حرم بيع التمر بالتمر متفاضلا وما قائل هذا إلا قريب من الاستخفاف بالقرآن والشرائع، ونعوذ بالله من هذا.
واحتج بعضهم في إثبات القياس بآبدة أنست ما تقدم، وهو أنه قال من الدليل على صحة القياس قول الله تعالى: * (والمرسلات عرفا) * قال: فأشار إلى العرف.
قال أبو محمد: وهذا دليل على فساد عقل المحتج به في إثبات القياس وقلة حيائه ولا مزيد، وبالله تعالى نعوذ من الخذلان، ونسأله التوفيق، ولا عرف إلا ما بين الله تعالى نصا أنه عرف، وأما عرف الناس فيما بينهم فلا حكم له ولا معنى، وما عرف الناس مذ نشؤوا إلا الظلم والمكوس.
واحتجوا أيضا بأن قالوا: قال الله عز وجل: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * قالوا:
فإنما جاء النص بجلد قاذف المحصنات، وأنتم تجلدون قاذف الرجال المحصنين كما تجلدون قاذف المحصنات من النساء، وهذا قياس.
قال أبو محمد: وهذا ظن فاسد منهم، وحاشا لله أن يكون قياسا، ونحن نبدأ فنبين، بحول الله وقوته، من أين أوجبنا جلد قاذف الرجال من نص القرآن والسنة، فإذا ظهر البرهان على ذلك لائحا، بحول الله وقوته، وأنه من النص عدنا
(٩٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 951 952 953 954 955 956 957 958 959 960 961 ... » »»
الفهرست