الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٤٦
كحكمها على المسلمة، والاجماع لا يجوز خلافه. وأيضا فإن الآيات التي أوجب الله تعالى فيها العدد على المطلقات معلومة محصورة، لا خلاف بين المسلمين أن المراد بها الممسوسات، وأصل الناس كلهم على البراءة من وجوب الاحكام عليهم، حتى يلزمهم الحكم نص أو إجماع، وإلا فلا يلزم أحدا حكم إلا أن يلزمه إياه نص أو إجماع، فبقيت الذمية المطلقة غير الممسوسة لم يأت قط بإيجاب عدة عليها، فلم يجز لاحد أن يلزمها عدة لم يأت بها نص ولا إجماع، ووجب المتعة لها، ونصف الصداق بإيجاب الله تعالى ذلك لكل مطلقة فرض لها صداق المتعة خاصة لكل مطلقة، وهي إحدى المطلقات فبطل ظن هؤلاء القوم، والحمد لله رب العالمين.
واحتجوا بما في القرآن من الآيات التي فيها خطاب النبي صلى الله عليه وسلم وحده، مثل قوله تعالى: * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) * ومثل قوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة) * وما أشبه ذلك. قالوا: فقلتم: هي لازمة لنا ومباحة، كلزومها النبي صلى الله عليه وسلم وإباحتها له.
قال أبو محمد: وهذا من التخليط ما هو، لان النص حكم علينا بذلك إذ يقول:
* (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * وبقوله صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وبغضبه صلى الله عليه وسلم على من تنزه عن أن يفعل مثل فعله، فبطل تمويههم بأن هذا قياس، وصح وجوب كل شريعة خوطب بها صلى الله عليه وسلم: علينا ما لم ننه عن ذلك، كقول النبي صلى الله عليه وسلم في الوصال: لست كهيئتكم. فلو قال قائل: إن الذين تعلقوا به مما ذكروا هو حجة عليهم في إبطال القياس، لكان حقا، لنص النبي صلى الله عليه وسلم على أنه ليس كهيئتنا، ولا كأحدنا، ولا مثلنا، وإذ ليس مثلنا والقياس عند القائلين به إنما هو قياس الشئ على مثله لا على ما ليس مثله.
فقد بطل القياس ههنا فيلزمهم أيحكموا على الناس بشئ خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم وحده، وإن فعلوا ذلك خرجوا من الاسلام، فصح أنه لا مدخل لهذه الآيات، ولا لهذا المعنى في القياس البتة، وبالله تعالى التوفيق.
(٩٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 941 942 943 944 945 946 947 948 949 950 951 ... » »»
الفهرست