الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٨٤
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، بل بعضه عائد عليهم، لان الأنصار لم يكونوا ليتركوا رأيهم، وهم أهل الدار والمنعة السابقة، الذين لم يبالوا بمخالفة أهل المشرق والمغرب، وحاربوا جميع العرب حتى أدخلوهم في الاسلام طوعا وكرها، إلا لنص من النبي صلى الله عليه وسلم لا لرأي أضافهم النزاع إليهم من المهاجرين.
وأما قول عمر فظن منه، وقد قال رضي الله عنه، إذ بشره ابن عباس عند موته بالجنة: والله إن علمك بذلك يا ابن عباس لقليل فخفي عليه شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، مع ما في القرآن من ذلك لأهل الحديبية، وهم منهم فهكذا خفي عليه نص النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر، وهذا من عمر مضاف إلى ما قلنا آنفا، ومضاف إلى قول يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم. والله ما مات رسول الله، وإلى قوله يوم أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب في مرضه الذي مات فيه.
كما حدثنا حمام بن أحمد، ثنا عبد الله بن إبراهيم، ثنا أبو زيد المروزي، ثنا محمد بن يوسف، ثنا البخاري، ثنا يحيى بن سليمان الجعفي، ثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه قال: ائتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي، فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط، فقال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع. فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه.
وحدثناه عبد الله بن ربيع، ثنا محمد بن معاوية، ثنا أحمد بن شعيب، أنا محمد بن منصور، عن سفيان الثوري، سمعت سليمان - هو الأحول - عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فذكر الحديث وفيه: إن قوما قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم، ما شأنه؟ هجر.
قال أبو محمد: هذه زلة العالم التي حذر منها الناس قديما، وقد كان في سابق علم الله تعالى أن يكون بيننا الاختلاف، وتضل طائفة وتهتدي بهدى الله أخرى. فلذلك
(٩٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 979 980 981 982 983 984 985 986 987 988 989 ... » »»
الفهرست