الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٨٦
بعده صلى الله عليه وسلم، فإن ذكر ذاكر معنى ما روي عن عائشة إذ سئلت من كان رسول الله مستخلفا لو استخلف؟ فإنما معناه: لو كتب الكتاب في ذلك.
قال أبو محمد: فهذا قول ثان، وقالت الزيدية: إنما استخلف أبو بكر استيلانا للناس كلهم، لأنه كان هنالك قوم ينافرون عليا، فرأى علي أن قطع الشغب أن يسلم الامر إلى أبي بكر، وإن كان دونه في الفضل.
قال أبو محمد: وأما أن يقول أحد من الأمة: إن أبا بكر إنما قدم قياسا على تقديمه إلى الصلاة فيأبى الله ذلك، وما قاله أحد قط يومئذ، وإنما تشبث بهذا القول الساقط المتأخرون من أصحاب القياس، الذين لا يبالون بما نصروا به أقوالهم، مع أنه أيضا في القياس فاسد، لو كان القياس حقا، لما بينا قبل، ولأن الخلافة ليست علتها علة الصلاة، لان الصلاة جائز أن يليها العربي والمولى والعبد، والذي لا يحسن سياسة الجيوش والأموال والاحكام والسير الفاضلة، وأما الخلافة فلا يجوز أن يتولاها، إلا قرشي صليبة، عالم بالسياسة ووجوهها. وإن لم يكن محكما للقراءة. وإنما الصلاة تبع للإمامة، وليست الإمامة تبعا للصلاة، فكيف يجوز عند أحد من أصحاب القياس أن تقاس الإمامة التي هي أصل، على الصلاة التي هي فرع من فروع الإمامة؟ هذا ما لا يجوز عند أحد من القائلين بالقياس.
وقد كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم أكابر المهاجرين، وفيهم عمرو وغيره أيام النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن ممن تجوز له الخلافة، فكان أحقهم بالصلاة، لأنه كان أقرأهم، وقد كان أبو ذر، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وابن مسعود أولى الناس بالصلاة إذا حضرت، إذا لم يكونوا بحضرة أمير أو صاحب منزل، لفضل أبي ذر وزهده وورعه وسابقته، وفضل سائر من ذكرنا وقراءتهم ولم يكونوا من أهل الخلافة، ولا كان أبو ذر من أهل الولايات ولا من أهل الاضطلاع بها. وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر إني أحب لك ما أحب لنفسي وإنك ضعيف، فلا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم
(٩٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 981 982 983 984 985 986 987 988 989 990 991 ... » »»
الفهرست