الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٩٧
الأمة كلها مجمعة على قبول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خلاف بين أحد ممن ينتمي إلى الاسلام في ذلك من جميع الفرق أولها عن آخرها، ثم اختلفوا في الطريق المؤدية إلى معرفة صحة ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا نحن: خبر الواحد العدل من جملة ذلك. وقال آخرون: ليس من جملة ذلك، ثم تأتي سنن قلنا نحن:
صحت عندنا من طريق من الآحاد، وقال من خالفنا، إنما صحت عندنا من طريق التواتر، ولو لم تأت إلا من طريق الآحاد فقط ما أخذنا بها.
فهذه الصفة النقل هو الذي اتفق الناس كلهم من المسلمين على قبوله، وأجمعوا على الاخذ به، كإجماع الناس على أن في خمس من الإبل شاة، وعلى أن فيما سقي بالنضح من القمح والشعير نصف العشر، وسائر ما أجمعوا عليه من آيات النبوة التي جاءت من طريق الكافة، وجاءت أيضا من طريق الآحاد، وليس هكذا أمر القياس الذي ادعوه.
ولكنا لا ننكر أن تأتي مسائل تستوي في حكم القياس على أصولهم، وقد صح بها نص أو إجماع أيضا، فأخذنا نحن بها، لان النص أتى بها، أو لأنها إجماع ولم نبال وافقت القياس أو خالفته.
وأيضا فإن من ينكر القياس ينكره على كل حال، وبكل وجه، وفي كل وقت، وليس في فرقة من فرق المسلمين أحد ينكر الخبر جملة، بوجه من الوجوه، بل كلها مجمعة - بلا خلاف - عن أن الديانة لا تعرف إلا بالخبر، وإنما أنكرت طوائف خبر الواحد وقالت بخبر التواتر. وقال آخرون بالخبر المشتهر، وقال آخرون بخبر الواحد العدل، فالفرق بين ما أنكرنا وبين ما نظروه به بين واضح، وبالله تعالى التوفيق.
واحتجوا بإيجاب التحرير على المسئ قالوا: وهذا قياس.
قال أبو محمد: وهذا من ذلك المرار، ليت شعري على أي شئ قيس التعزير إن كانوا إنما قالوا به قياسا؟ وأما نحن فإنما قلنا به للنص الوارد في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا يجلد أحد في غير حد أكثر من عشر جلدات، وأما السجن فإنما هو منع المسجون من الأذى للناس، أو من الفرار بحق لزمه، وهو قادر على أدائه فقط، وهذا وقع تحت قوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) * وله حد لا يتجاوز، وهو توبة المسجون وإقلاعه
(٩٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 992 993 994 995 996 997 998 999 1000 1001 1002 ... » »»
الفهرست