الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٠٨
قال: كان أبو هريرة يتوضأ مما مست النار، فبلغ ذلك ابن عباس، فأرسل إليه:
أرأيت لو أخذت دهنة طيبة فدهنت بها لحيتي أكنت متوضئا؟ قال أبو هريرة:
يا ابن أخي، إذا حدثت بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال جدلا.
قال أبو محمد: وليس ههنا للقياس مدخل البتة بوجه من الوجوه، وابن عباس قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شاهده أكل شيئا مما مست النار فلم يتوضأ، وهذا الحديث عنه مشهور، فلم يترك ابن عباس الوضوء مما مست النار قياسا، لكن اتباعا للنص، وإنما عارض أبا هريرة بأمر الدهن في هذا الحديث ليعلم: أيطرد أبو هريرة قوله، أم لا يرى الوضوء من الدهن فقط، فإنما هو استفهام عن مذهب أبي هريرة في الدهن: أيوجب الوضوء أم لا؟ ليس في هذا الحديث شئ غير هذا البتة، ولكن في قول أبي هريرة: إذا حدثت بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال جدلا، إبطال صحيح للقياس، لان القياس ضرب أمثال في الدين لم يأذن بها الله تعالى. وقد نهى أبو هريرة عن ذلك، وأمره باتباع الحديث والتسليم له، فهذا الحديث عليهم لا لهم، والصحيح عن ابن عباس إبطال القياس، على ما ذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وأما: أينقص الرطب إذا يبس فحدثناه أحمد بن محمد الجسور، نا أحمد ابن سعيد بن حزم، نا عبيد الله بن يحيى، نا أبي عن مالك بن أنس، عن عبد الله ابن زيد، أن زيدا أبا عياش أخبره: أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت. قال له سعد: أيتهما أفضل؟ فقال: البيضاء، فنهاه عن ذلك، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب، فقال صلى الله عليه وسلم:
أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا: نعم فنهاه عن ذلك.
(١٠٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1003 1004 1005 1006 1007 1008 1009 1010 1011 1012 1013 ... » »»
الفهرست