الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٠٦
قال أبو محمد: ولا حجة لهم في هذا، لان كثيرا من أصحاب القياس لا يقولون بهذا، ولا يرون غير الطعام داخلا في حكم الطعام في ذلك، بل يرون ما عدا الطعام جائز بيعه قبل أن يستوفى، وهذا قول المالكيين، فمن المحال أن يحتج امرؤ بشئ يقر أنه خطأ لا يجوز أن يؤخذ به. وأيضا فإن ابن عباس لم يقطع بصحة ظنه في ذلك، وانما أخبر أنه يحسب كل شئ مثل الطعام في ذلك، وهذا هو الذي قلنا عنهم رضي الله عنهم: إنهم لا يقطعون برأيهم فيما رأوه، وإنما هو ظن لا يثبتونه دينا، وليس حكم القياس عند القائلين به من باب الحسبان الذي ذكره ابن عباس في هذا الحديث، فصح يقينا أنه لا مدخل للقياس في هذا الحديث، فاحتجاجهم به باطل، وبالله تعالى التوفيق.
وأما: لو لم تعتبروا ذلك إلا بالأصابع فحدثناه حمام بن أحمد، ثنا محمد بن أبن مفرج، ثنا ابن الأعرابي، ثنا أبو يعقوب الدبري، ثنا عبد الرزاق، ثنا مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي غطفان، أن مروان أرسله إلى ابن عباس يسأله: ماذا جعل في الضرس، قال: فيه خمس من الإبل، قال: فردني إلى ابن عباس:
فقال: أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس، فقال ابن عباس: لو أنك لا تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء.
قال أبو محمد وهذا لا مدخل للقياس فيه البتة، بل هو إبطال للتعليل جملة، لان مروان علل الدية بأنها عرض من العضو المصاب، فينبغي أن تكون دية العضو الأفضل أكثر، وهذه هي علل أصحاب القياس على الحقيقة، فأراه ابن عباس بطلان هذا، وتناقضه في قوله: بأن الأصابع منافعها متفاضلة، وديتها سواء. وهذا إبطال العلل على الحقيقة وفي إبطال العلل إبطال للقياس، إذ لا قياس إلا على علة جامعة عند حذاق القائلين به، فهذا الحديث مبطل للقياس كما ذكرنا، وراد إلى النص، وألا يتعقب بتعليل، وبالله تعالى التوفيق، وبرهان واضح فيما ذكرنا هو أن القياس بلا خلاف، إنما هو أن يحكم لما نص فيه بالحكم فيما نص، أو فيما اختلف فيه بالحكم فيما اجتمع عليه، وليس في الأصابع إجماع، فيقاس عليه الأضراس، بل الخلاف موجود فيها كما هو في الأضراس، وليس في الأصابع نص دون الأضراس، بل النص فيهما جميعا، فبطل أن تكون الأصابع أصلا يقاس عليه الأضراس.
(١٠٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1001 1002 1003 1004 1005 1006 1007 1008 1009 1010 1011 ... » »»
الفهرست