الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٠٩
قال أبو محمد: فأول هذا إن هذا خبر لا يصح، لان زيدا أبا عياش مجهول، فارتفع الكلام فيه، وأيضا فلو صح لما كانت لهم فيه حجة، لان جميع أصحاب القياس، أولهم عن آخرهم، لا يرون هذا قياسا ولا يمنعون من البيضاء بالسلت فمحال أن يحتج قوم بما لا يقولون به. وأيضا فإن هذا ليس قياسا عند القائلين به، لأنه تنظير للأفضل بما ينقص إذا يبس، وهذا ليس شبها البتة، عند من يقول بالقياس، فسقط تعلقهم بهذا الأثر، والحمد لله رب العالمين.
وأما: أخاف أن يضارع فحدثناه عبد الله بن يوسف بن نامي، نا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب بن عيسى، نا أحمد بن محمد، نا أحمد بن علي، نا مسلم، حدثني أبو الطاهر، أخبرني ابن وهب، عن عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدثه أن بسر بن سعيد حدثه عن معمر بن عبد الله: أنه أرسل غلامه بصاع قمح، فقال: بعه ثم اشتر به شعيرا، فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع، فلما جاء معمرا أخبره بذلك.
فقال له معمر: لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده، ولا تأخذ إلا مثلا بمثل، فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الطعام بالطعام مثلا بمثل وكان طعامنا يومئذ الشعير، فقيل: إنه ليس بمثله؟ قال: إني أخاف أن يضارع.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه أصلا، وإنما هو تورع من معمر بن عبد الله، لا إيجاب، ولا أنه قطع بذلك. وبيان ذلك: إخبار معمر بأنه يخاف أن يضارع، ولم يقطع بأنه يضارع، وأيضا فإن الحنفيين والشافعيين لا يقولون بهذا، وهم يجيزون القمح بالشعير متفاضلا، فلا وجه لاحتجاج المرء بما لا يراه صحيحا، ولا ممن يخطئ ويصيب ممن لا يلزم اتباعه.
ولعل من جهل يظن أن احتجاجنا بمن دون النبي صلى الله عليه وسلم هو أننا نرى من دونه صلى الله عليه وسلم حجة لازمة، فليعلم من ظن ذلك أن ظنه كذب، وأننا لا نورد قولا عمن دون النبي صلى الله عليه وسلم إلا على أحد وجهين لا ثالث لهما: إما خوف جاهل يدعي علينا خلاف الاجماع، فنريه كذبه، وفساد ظنونه، وأنه
(١٠٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1004 1005 1006 1007 1008 1009 1010 1011 1012 1013 1014 ... » »»
الفهرست