الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٩٨
أو خروجه عما لزمه من الحق، أو موته إن فعل به ذلك قصاصا.
واحتجوا أيضا بالتوجه إلى القبلة عند المعاينة، فإذا غبنا عنها فبالاجتهاد.
قال أبو محمد: وهذا من ذلك التخليط، وليس ههنا شئ قيس عليه ذلك بوجه من الوجوه، ولا هو أيضا موكول إلى الرأي، ولا إلى الاستحسان، ولكنه نص من الله تعالى إذ يقول * (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * فأما وصولنا إلى معرفة جهة القبلة فبالدليل الذي أنكروه علينا، ولم يعرفوا ما هو وظنوه قياسا، وهذه مسألة يلوح فيها، لمن له أدنى حس، الفرق بين الدليل والقياس، لان جهة طلب القبلة ليس قياسا أصلا، ولا ههنا شئ يقاس عليه، ولا هو موكول إلى رأي كل إنسان، فيستقبل أي جهة شاء، ولا إلى استحسانه، فصح أنه يتوصل إلى ذلك بدليل ليس رأيا ولا قياسا ولا استحسانا، وإنما كان يكون قياسا إذا خفيت عنا الكعبة توجهنا إلى بيت المقدس قياسا عليها، لأنها قد كانت أيضا قبلة، أو إلى المدينة، وهذا كفر من قائله، وهذا نحو قولكم لما حرم البر بالبر نسيئة حرمنا التبن بالتبن نسيئة، وإنما الدليل على جهتها مطالع الكواكب والشمس ومعرفة نسبة العرض من الطول.
وقالوا أيضا: قد أسقطتم الزكاة عن الثياب، قياسا على سقوطها عن الحمير وتركتم أخذ الزكاة من الثياب بعموم قول الله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة) * وقوله تعالى: * (وآتوا الزكاة) *.
قال أبو محمد: وكذبوا في ذلك ما شاؤوا، ومعاذ الله أن نترك أخذ الزكاة من الثياب قياسا على الحمير، ولكن لما كانت الآيتان المذكورتان لم ينص عز وجل فيهما على مقدار ما يؤخذ في الزكاة، ولا متى يؤخذ، لم يحل لاحد العمل بما لم يبين له، إذ لا يدري أيأخذ الأقل أو الأكثر، أو كل يوم أو كل شهر أو كل سنة أو مرة من الدهر، ووجب عليه طلب بيان الزكاة في نص آخر، فوجدناه صلى الله عليه وسلم قد قال: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام قال هذا في حجة الوداع، بعد نزول: * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * بيقين وبعد نزول * (خذ من أموالهم صدقة) * بيقين لا شك فيه عند أحد من المسلمين، لان هاتين الآيتين نزلتا في صدر الهجرة، فوجب بهذا النص أن لا يؤخذ من مال أحد شئ إلا بنص على ما أخذه
(٩٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 993 994 995 996 997 998 999 1000 1001 1002 1003 ... » »»
الفهرست