الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٨٧
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وأسامة بن زيد على من هو أفضل منهم وأقرأ، وأقدم هجرة وأفقه وأسن، وهذه هي شروط الاستحقاق للإمامة في الصلاة، وليست هذه شروط الامارة.
وإنما شروط الامارة حسن السياسة، ونجدة النفس، والرفق في غير مهانة، والشدة في غير عنف، والعدل والجود بغير إسراف، وتمييز صفات الناس في أخلاقهم وسعة الصدر، مع البراءة من المعاصي، والمعرفة بما يخصه في نفسه في دينه، وإن لم يكن صاحب عبارة، ولا واسع العلم، ولو حضر عمرو وخالد وأسامة مع أبي ذر - وهم غير أمراء - ما ساغ لهم أن يؤموا تلك الجماعة، ولا أن يتقدموا أبا ذر ولا أبي بن كعب. ولو حضروا في مواضع يحتاج فيها إلى السياسة في السلم والحرب لكان عمرو وخالد وأسامة أحق بذلك من أبي ذر وأبي ولما كان لأبي ذر وأبي من ذلك حق مع عمرو وخالد وأسامة. وبرهان ذلك استعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا وأسامة وعمرا دون أبي ذر وأبي، وأبو ذر وأبي أفضل من عمرو وأسامة وخالد بدرج عظيمة جدا.
وقد حضر الصحابة يوم غزوة مؤتة فقتل الامراء وأشرف المسلمون على الهلكة، فما قام منهم أحد مقام خالد بن الوليد، كلهم، إلا الأقل، أقدم إسلاما وهجرة ونصرا، وهو حديث الاسلام يومئذ، فما ثبت أحد ثباته، وأخذ الراية ودبر الامر، حتى انحاز بالناس أجمل انحياز، فليست الإمامة والخلافة من باب الصلاة في ورد ولا صدر، فبطل تمويههم بأن خلافة أبي بكر كانت قياسا على الصلاة أصلا.
فإن قالوا: لو كانت خلافة أبي بكر منصوصا عليه من النبي صلى الله عليه وسلم ما اختلفوا فيها؟.
قال أبو محمد: فيقال لهم وبالله تعالى التوفيق: هذا تمويه ضعيف لا يجوز إلا على جاهل بما اختلف فيه الناس، وهل اختلف الناس إلا في المنصوصات.
والله العظيم - قسما برا - ما اختلف اثنان قط فصاعدا في شئ من الدين إلا في
(٩٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 982 983 984 985 986 987 988 989 990 991 992 ... » »»
الفهرست