الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ٩٩٦
نصف صاع شعير، إلا أنه لا شك أن ما حكته من فعل الناس في ذلك لم يكن عندها حجة، ولا عملا مرضيا، ولكن كقولها، إذا أمرت هي وأمهات المؤمنين أن يخطر على حجرهن بجنازة سعد، فأنكر الناس ذلك، فقالت:
ما أسرع الناس إلى إنكار ما لاعلم لهم به.
وقالوا: وقد وجدنا مسائل مجمع عليها ولا نص فيها، فصح أنها قياس.
قال أبو محمد: قد ذكرنا هذه المسألة في باب الاجماع من ديواننا هذا وتكلمنا عليها، وبيناها - بعون الله تعالى - غاية البيان، وأرينا البراهين الضرورية، على أن ذلك لا يجوز البتة، وأنها إنما هي أحوال كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقر بها وقد علمها.
ومن ذلك القراض، وليس ههنا شئ يقاس عليه جواز القراض، بل القياس يمنع من جوازه، لأنه إجازة إلى غير أجل، وعلى غير عمل موصوف، وبأجرة فاسدة، وربما لم يأخذ شيئا فضاع عمله، وربما أخذ قليلا أو كثيرا، وهكذا القول في سائر الاجماعيات من المسائل.
مع أن قولهم: إنها عن قياس، خبر كاذب، ودعوى بلا دليل، والبرهان قد قام على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين جميع واجبات الاسلام وحلاله وحرامه، فكل ما أجمع عليه فعن الرسول وبيانه بلا شك، هذا هو اليقين، إذ لا يجوز إجماع الناس على شريعة لم يأت بها نص، فبطل أن يكون قياس وبالله تعالى التوفيق.
واعترضوا ههنا على من أجاب من أصحابنا في هذه المسألة بأن قال:
الناس مختلفون في القياس بلا شك، فكيف يجوز أن يجمعوا على ما اختلفوا فيه؟ وهذا تخليط ظاهر.
قال أبو محمد: وهذا جواب صحيح عياني، لا مجال للشك فيه، فاعترض بعض أصحاب القياس فيه بأن قال لنا: إنكم تجيزون الاجماع عن سنن كثيرة أتت في أخبار الآحاد، وقد علمتم أن أخبار الآحاد مختلف في قبولها، وهذا هو الذي أنكرتم. قال أبو محمد: وهذا تمويه ضعيف منحل ظاهر الانحلال، لأننا لم ندع إجماع الناس على ما اختلفوا عليه من قبول خبر الواحد وإنما قلنا ونقول: إن
(٩٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 991 992 993 994 995 996 997 998 999 1000 1001 ... » »»
الفهرست