الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٠٤
فأجازوا شهادة المجلود في الخمر والزنى إذا تاب. وأجاز مالك والشافعي شهادة المجلود في حد القذف إذا تاب، وهذا خلاف ما في رسالة عمر، وإن ادعوا إجماعا كذبهم الأوزاعي، فإنه لا يجيز شهادة مجلود في شئ من الحدود أصلا، كما في رسالة عمر التي صححوا. وأجازوا شهادة الأخ لأخيه، والمولى لذي ولائه، ولم يجعلوهما ظنينين في ولاء وقرابة، وردوا شهادة الأب العدل لابنه، وجعلوه ظنين في قرابة، وليس إجماعا، لان عثمان البتي وغيره يجيز شهادته له، وردوا شهادة العبد وهو مسلم. وكل هذا خلاف ما في رسالة عمر، ومن الباطل المحال أن تكون حجة علينا في القياس، ولا تكون حجة عليهم فيما خالفوها فيه، ويكفي في هذا إقرارهم بأنها حق وحجة، ثم خلافهم ما فيها، فقد أقروا بأنهم خالفوا الجن والحجة، ونحن لا نقر بها. ولله الحمد.
والصحيح عن عمر غير هذا من إنكار القياس، مما سنذكره في هذا الباب إن شاء الله تعالى.
وأما الرسالة التي تصح عن عمر فهي غير هذه، وهي التي حدثنا بها عبد الله بن ربيع التميمي، نا محمد بن معاوية المرواني، نا أحمد بن شعيب النسائي، نا محمد بن بشار، نا أبو عامر العقدي، نا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق الشيباني، عن الشعبي، عن شريح أنه كتب إلى عمر يسأله، فكتب إليه عمر: أن اقض بما في كتاب الله تعالى، فإن لم يكن في كتاب الله فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بما قضى الصالحون، فإن لم يكن في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله، ولم يقض به الصالحون، فإن شئت فتقدم، وإن شئت فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيرا لك، والسلام.
قال أبو محمد: وهذا ترك الحكم بالقياس جملة، واختيار عمر لترك الحكم إذا لم يجد المرء تلك النازلة في كتاب ولا سنة ولا إجماع، فسقطت الرواية عن عمر في الامر بالقياس، لسقوط راويها. ولوجه ثان ضروري مبين لكذب تلك الرسالة، وأنها موضوعة بلا شك، وهو اللفظ الذي فيها، ثم اعمد لأشبهها بالحق
(١٠٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 999 1000 1001 1002 1003 1004 1005 1006 1007 1008 1009 ... » »»
الفهرست