الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠١٥
لا تقوم بمجهول، وأبو فليج متكلم فيه مضعف، والثاني عن أسامة بن زيد وهو ضعيف بالجملة، فسقط كل ما في هذا الباب، مع أنه لو صح هذان الاثران المتصلان لكان حجة عليهم قاطعة، لان في رواية يحيى بن فليح أن أبا بكر فرض الحد في الخمر أربعين، فلو جاز لعمر أن يزيد على ما فرض أبو بكر، لمن بعد عمر أن يزيد ويحيل الحد الذي فرض عمر، أو يسقط منه، ولا فرق، فإن لم يكن فرض أبي بكر بحضرة جميع الصحابة حجة، وعمر وغيره بالحضرة، وفي أقل من هذا يزعمون أنه إجماع، ففرض عمر، وقد مات كثير من الصحابة قبل ذلك الفرض، أحرى ألا يكون حجة، وهذا على أقوالهم إجازة لمخالفة. وفي هذا ما فيه، وأن من يرى ما في هذا الخبر من فعل أبي بكر بحضرة الصحابة إجماعا، ثم يرى رسالة مكذوبة من عمر إلى الأشعري إجماع، لمنحرف عن الحق.
وأما الذي من طريق أسامة بن زيد، ففيه بيان جلي، على أن عمر لم يجعل ذلك فرضا واجبا، وأنه إنما كان منه تعزيرا، وذلك أنه ذكر فيه إذا أتي بالمنهمك في الشراب جلده ثمانين جلدة، وإذا أتي بالذي كانت منفي ذلك زلة الضعيف جلده أربعين، وأن عثمان أيضا جلد أربعين وثمانين فباليقين يعلم كل ذي عقل أنه لو كانت الثمانون فرضا لما جاز أن يحال في بعض الأوقات، فسقط احتجاجهم بالجملة، وعاد عليهم مسقطا لقولهم، فكيف ولا يصح من ذلك كله شئ.
وقد نزه الله عز وجل عليا رضي الله عنه عن هذا الكلام الساقط الغث الذي ليس وراءه مرمى في السقوط والهجنة، لوجوه: أحدها أنه لا يحل لمسلم أن يظن أن عمر وعليا يضعان شريعة في الاسلام لم يأت بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكانا في ذلك كالذين أنكرا عليهم في الحديث نفسه أنهم شرعوا ما لم يأذن به الله تعالى، فمن المحال أن ينكر على علي من شرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى، ويشرع هو في الحين نفسه شريعة لم يأذن بها الله تعالى، وهذا ما لا يظنه بعلي ذو عقل ودين، ولا فرق بين وضع حد في الخمر، وبين إسقاط حد الزنى أو الزيادة فيه، أو إسقاط ركعة من الظهر، أو زيادة فيها، أو فرض صلاة غير الصلوات
(١٠١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1010 1011 1012 1013 1014 1015 1016 1017 1018 1019 1020 ... » »»
الفهرست