الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٢٦
ثم قد روينا عن علي: أنه كان لا يرى قتل اثنين بواحد، فلو قاله لكان قد تركه ورجع عنه، ورآه باطلا من الحكم.
فهذا كل ما ذكروه مما روي عن الصحابة، قد بيناه بأوضح بيان، بحول الله تعالى وقوته، أنه ليس لهم في شئ منه متعلق، وهو أنه إما شئ بين الكذب لم يصح، وإما شئ لا مدخل للقياس فيه البتة.
فإذا الامر كما ترون، ولم يصح قط عن أحد من الصحابة القول بالقياس، وأيقنا أنهم لم يعرفوا قط العلل التي لا يصح القياس إلا عليها عند القائل به، فقد صح الاجماع منهم رضي الله عنهم على أنهم لم يعرفوا ما القياس، وبأنه بدعة حدثت في القرن الثاني، ثم فشا وظهر في القرن الثالث، كما ابتدأ التقليد والتعليل للقياس في القرن الرابع، وفشا وظهر في القرن الخامس.
فليتق الله امرؤ على نفسه وليتداركها بالتوبة والنزوع عمن هذه صفته، فحجة الله تعالى قد قامت باتباع القرآن والسنة، وترك ما عدا ذلك من القياس والرأي والتقليد.
ولقد كان من بعض الصحابة نزعات إلى القياس، أبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم نذكرها إن شاء الله تعالى في الدلائل على إبطال القياس إذا استوعبنا بحول الله تعالى وقوته كل ما اعترضوا به.
وبقيت أشياء من طريق النظر موهوا بها، ونوردها إن شاء الله تعالى، ونبين بعونه عز وجل بطلان تعلقهم، وأنه لا حجة لهم في شئ منها، كما بينا، بتأييد الله تبارك وتعالى، ما شغبوا به من القرآن، وما موهوا به من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وما لبسوا به من الاجماع وما أوهموا به من آثار الصحابة، وبالله تعالى التوفيق.
فمن ذلك: أنهم قالوا: إن القياس هو من باب الاستشهاد على الغائب بالحاضر، فإن لم يستشهد بالحاضر على الغائب فلعل فيما غاب عنا نارا باردة.
(١٠٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1021 1022 1023 1024 1025 1026 1027 1028 1029 1030 1031 ... » »»
الفهرست