الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٢٤
ههنا، وإنما هو ائتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكلا الامرين محو من رق، ليس أحدهما مقيسا على الآخر، وهكذا الامر حديثا وقديما وإلى يوم القيامة، وليس إذا كتبت نار ثم محى امتحت النار من الدنيا.
وهذا من جنون الخوارج، وضعف عقولهم، إذ كانوا أعرابا جهالا، بل قولهم في هذا هو القياس المحقق، لأنهم قاسوا محو الخلافة عن علي، على محو اسمه من الصحيفة وهذا قياس يشبه عقولهم، وقد علم كل ذي مسكة عقل أنه إذا محيت سورة من لوح فإنها لا تمحى بذلك من الصدور.
ومن ظن أن بين القياس وبين قول علي نسبة، فإنما هو مكابر للعيان، لان القياس إنما هو، تحريم أو إيجاب أو إباحة في شئ غير منصوص تشبيها له بشئ منصوص، وليس في هذه القضية تحريم ولا إيجاب ولا تحليل وبالله تعالى التوفيق.
وأما قول ابن عباس للخوارج، إذ أنكروا تحكيم الحكمين يوم صفين:
إن الله تعالى أمر بالتحكيم بين الزوجين، وفي أرنب قيمتها ربع درهم، فإن هذا الخبر حدثناه أحمد بن محمد الجسور، ثنا وهب بن مسرة، ثنا محمد بن وضاح، ثنا عبد السلام بن سعيد التنوخي، ثنا سحنون، ثنا عبد الله بن وهب، عن عمرو ابن الحارث، عن بكير بن الأشج، عمن حدثه، عن ابن عباس قال: أرسلني علي إلى الحرورية لأكلمهم، فلما قالوا: لا حكم إلا لله، قلت: أجل صدقتم، لا حكم إلا لله، وإن الله قد حكم في رجل وامرأته، وحكم في قتل الصيد، فالحكم في رجل وامرأته والصيد أفضل، أو الحكم في الأمة يرجع بها ويحقن دماؤها ولم شعثها؟.
قال أبو محمد: وهذا لا يصح البتة،: لأنه عمن لم يسم ولا يدري من هو؟ ثم هبك أنه أصح من كل صحيح، وأننا شهدنا ابن عباس يقول ذلك، فإنه ليس من القياس من ورد ولا صدر بل هو نص جلي.
ومعاذ الله أن يظن ذو عقل بأن عليا ومعاوية ومن معهما من الصحابة حكموا في النظر للمسلمين قياسا على التحكيم في الأرنب، وبين الزوجين فما يظن هذا إلا مجنون البتة وهل تحكيم الحكمين إلا نص قول الله عز وجل: * (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) * فنص تعالى
(١٠٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1019 1020 1021 1022 1023 1024 1025 1026 1027 1028 1029 ... » »»
الفهرست