الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٢٥
على أن كل تنازع في شئ من الدين، فإن الواجب فيه تحكيم كتاب الله عز وجل، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، والتنازع بين علي ومعاوية لا يجهله من له أقل معرفة في بالاخبار، ففرض عليهما تحكيم القرآن كما فعلا، فأي قياس ههنا لو أنصف هؤلاء القوم عقولهم؟.
فإن كان هذا عندهم قياسا فقد ضيعوه وتركوه، ويلزمهم إن تحاكم إليهم اثنان في بيع أو دين أو غير ذلك، فليبعثوا من أهل كل واحد منهما حكما، وإلا فقد تركوا القياس بزعمهم.
فإن قالوا: فهلا كفاهم حكم واحد حتى احتجوا إلى اثنين، قيل لهم، وبالله تعالى التوفيق: إن أهل العراق لم يرضوا حكما من أهل الشام، ولا رضي أهل الشام حكما من أهل العراق، فلذلك اضطروا إلى حكم من كلتا الطائفتين.
وأما الرواية عن علي وعمر في قتل الجماعة بالواحد فكما حدثنا حمام، نا ابن مفرج، ثنا ابن الأعرابي، نا الدبري، نا عبد الرزاق، نا ابن جريج، أخبرني عمرو قال: قال أخبرني حيي بن يعلى بن أمية أنه سمع أباه يعلى يقول: وذكر قصة الذي قتله امرأة أبيه وخليلها، أن عمر بن الخطاب كتب إلي: اقتلهما فلو اشترك في دمه أهل صنعاء كلهم لقتلتهم، قال ابن جريج: فأخبرني عبد الكريم وأبو بكر قالا جميعا: إن عمر كان يشك فيها حتى قال له علي: يا أمير المؤمنين أرأيت لو أن نفرا اشتركوا في سرقة جزور، فأخذ هذا عضوا، وأخذ هذا عضوا، كنت قاطعهم؟ قال: نعم، قال: فذلك حين ليس أحدهما أصلا للآخر، لان النص قد ورد بقتل من قتل، وكما ورد بقطع من سرق ليس أحد النصين في القرآن بأقوى من الآخر، قال تعالى: * (ولكم في القصاص حياة) * وقال تعالى: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * وقال تعالى: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * ولم يخص تعالى من كلا الامرين منفرد من مشارك، فلو صح لكان علي إنما أنكر على عمر اختلاف حكمه فقط، وتركه أحد النصين وأخذه بالآخر. وهذا هو الذي ننكره نحن سواء بسواء، فخرج هذا الخبر، لو صح، من أن يكون له في القياس مدخل أو أثر أو معنى، والحمد لله رب العالمين.
(١٠٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1020 1021 1022 1023 1024 1025 1026 1027 1028 1029 1030 ... » »»
الفهرست