الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٣٠
نوع البيض وكلاهما ينكسر إذا لاقا جسما صليبا مكتنزا. ونحن لو خرطنا صفة بيضة من عاج أو من عود البقس حتى تكون أشبه ببيضة النعامة من الماء بالماء، ولم تشبه بيضة الحجلة إلا في الجسمية فقط ثم ضربنا بها الحجر لما انكسرت. فصح أن الشبه لا معنى له في إيجاب استواء الاحكام البتة، وبطل قولهم: إننا علمنا انكسار ما بأيدينا من البيض لشبهها بما شاهدنا انكساره منها، وصح أنه من أجل الشبه بينهما وجب انكسار هذه كانكسار تلك.
وإنما الذي يصح بهذا فهو قولنا: إن كل ما كان تحت نوع واحد فحكمه مستو وسواء اشتبها أو لم يشتبها. فقد علمنا أن العنب الأسود الضخم المستطيل أو المستدير أشبه بصغار عيون البقر الأسود منه بالعنب الأبيض الصغير، لكن ليس شبهه به موجبا لتساويهما في الطبيعة، ولا بعده عن مشابهة العنب بموجب لاختلافهما في الطبيعة، فبطل حكم التشابه جملة، وصح أن الحكم للاسم الواقع على النوع الجامع لما تحته.
وهكذا قلنا نحن: إن حكمه صلى الله عليه وسلم في واحد من النوع حكم منه في جميع النوع، وأما القياس الذي ننكر فهو: أن يحكم لنوع لا نص فيه بمثل الحكم في نوع آخر قد نص فيه، كالحكم في الزيت تقع فيه النجاسة بالحكم في السمن يقع فيه الفأر، وما أشبه هذا، فهذا هو الباطل الذي ننكره، وبالله التوفيق.
ومعرفة المرء بأول طبيعته لا ينكرها إلا جاهل أو مجنون، فنحن نجد الصغير يفر عن الموت، وعن كل شئ ينكره وعن النار، وإن كان لم يحترق قط، ولا رأى محترقا، وعن الاشراف على المهواة ونجده يضرب بيده إذا غضب، وهو لا يعلم أن الضرب يؤلم، ويعض بفمه قبل نبات أسنانه وهو لم يعضه قط أحد فيدري ألم العض. نعم حتى نجد ذلك في الحيوان غير الناطق، فنجد الصغير من الثيران ينطح برأسه قبل نبات قرنيه، والصغير من الخنازير يشتر بفمه قبل كبر ضرسه، والصغير من الدواب يرمح قبل اشتداد حافره، وهذا كثير جدا.
(١٠٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1025 1026 1027 1028 1029 1030 1031 1032 1033 1034 1035 ... » »»
الفهرست